حاجة النفوس إلى محبة الله وعبوديته

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“النفوس محتاجة إلى الله؛ من حيث هو معبودها ومنتهى مُرادها وبغيتها، ومن حيث هو ربّها وخالقها، فمن آمن بالله ربّ كل شيء وخالقه، ولم يعبد إلا الله وحده بحيث يكون الله أحبّ إليه من كل ما سواه، وأخشى عنده من كل ما سواه، وأعظم عنده من كل ما سواه، وأرجى عنده من كل ما سواه، بل مَن سوَّى بين الله وبين بعض المخلوقات في الحبّ بحيث يحبُّه مثل ما يحبّ الله، ويخشاه مثل ما يخشى الله، ويرجوه مثل ما يرجو الله، ويدعوه مثل ما يدعوه؛ فهو مشرك الشرك الذي لا يغفره الله، ولو كان مع ذلك عفيفًا في طعامه ونكاحه، وكان حكيمًا شجاعًا” (الجواب الصحيح 6/32)

سبب كل صلاح في الأرض وسبب كل شر

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“ومَن تَدَبَّرَ أحْوالَ العالَمِ وجَدَ كُلَّ صَلاحٍ فِي الأرْضِ فَسَبَبُهُ تَوْحِيدُ اللَّهِ وعِبادَتُهُ وطاعَةُ رَسُولِهِ ﷺ. وكُلُّ شَرٍّ فِي العالِمِ وفِتْنَةٍ وبَلاءٍ وقَحْطٍ وتَسْلِيطِ عَدُوٍّ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَسَبَبُهُ مُخالَفَةُ الرَّسُولِ ﷺ والدَّعْوَةُ إلى غَيْرِ اللَّهِ. (مجموع الفتاوى 15/25)

التكبر شَرٌّ من الشرك

قال ابن القيم رحمه الله:
“كَما أنَّ مَن تَواضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ، فَكَذَلِكَ مَن تَكَبَّرَ عَنِ الِانْقِيادِ لِلْحَقِّ أذَلَّهُ اللَّهُ ووَضَعَهُ، وصَغَّرَهُ وحَقَّرَهُ. ومَن تَكَبَّرَ عَنِ الِانْقِيادِ لِلْحَقِّ -ولَوْ جاءَهُ عَلى يَدِ صَغِيرٍ، أوْ مَن يُبْغِضُهُ أوْ يُعادِيهِ- فَإنَّما تَكَبُّرُهُ عَلى اللَّهِ؛ فَإنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ، وكَلامُهُ حَقٌّ، ودِينُهُ حَقٌّ، والحَقُّ صِفَتُهُ، ومِنهُ ولَهُ؛ فَإذا رَدَّهُ العَبْدُ وتَكَبَّرَ عَنْ قَبُولِهِ: فَإنَّما رَدَّ عَلى اللَّهِ، وتَكَبَّرَ عَلَيْهِ” (مدارج السالكين ٢/‏٣١٧)

من صور تواضع الصحابة الكرام

خرج عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- ذات يوم، فاتّبعه ناس، فقال لهم: ألكم حاجة؟ قالوا: لا، ولكن أردنا أن نمشي معك. قال: ارجعوا فإنه ذلّة للتابع، وفتنة للمتبوع. [صفة الصفوة ١/ ١٨٦].

حقوق الطريق

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “إِيّاكُمْ والجُلُوسَ على الطُّرُقاتِ، فَقالوا: ما لَنا بُدٌّ، إنَّما هي مَجالِسُنا نَتَحَدَّثُ فِيها، قالَ: فَإِذا أَبَيْتُمْ إِلّا المَجالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّها، قالوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ. (صحيح البخاري ٢٤٦٥).
لا يَحِلُّ إيذاءُ المُسلِمِ وإلحاقُ الضَّرَرِ به، صغيرًا كان أو كبيرًا؛ ولذلك نَهى النبيُّ ﷺ عن الجلوسِ في الطُّرُقاتِ، وينبغي لِمَنْ جَلَس في طَريقِ المسلمين أن يَغُضَّ بَصَرَه عن عَوْراتِ المارَّةِ، ويَكُفَّ أذاه عنهم وعن المسلِمين؛ باجتِنابِ الغِيبَةِ وظَنِّ السوءِ واحتِقارِ بعضِ المارِّينَ وتَضيِيقِ الطريقِ، وأن يَرُدَّ السَّلامَ على مَن يُلقِيه، ويَأمُرَ بالمعروفِ، ويَنْهى عن المُنكَرِ إذا رآه.

مسارعة الصحابة في الاستجابة لأمر الله ورسوله

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كُنْتُ ساقِيَ القَوْمِ في مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وكانَ خَمْرُهُمْ يَومَئذٍ الفَضِيخَ، فأمَرَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ مُنادِيًا يُنادِي: أَلا إنَّ الخَمْرَ قدْ حُرِّمَتْ. قالَ: فَقالَ لي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فأهْرِقْها، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُها، فَجَرَتْ في سِكَكِ المَدِينَةِ. فَقالَ بَعْضُ القَوْمِ: قدْ قُتِلَ قَوْمٌ وهي في بُطُونِهِمْ، فأنْزَلَ اللَّهُ: {ليسَ على الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا} [المائدة: ٩٣] الآيَةَ. (صحيح البخاري ٢٤٦٤).
الْفَضِيخَ: شراب يتخذ من البسر والتمر من غير أن تمسه النار. والبسر: هو ثمر النخل قبل أن يرطب.
فأنزل الله: {لَيْسَ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا}؛ فلَيسَ على الذين آمَنوا إِثْمٌ فيما طَعِموا وشَرِبوا من الخمرِ قَبلَ تحريمِها.
وفي الحديثِ: فَضلُ أبي طلحةَ والصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم، حيثُ استجابوا لأمْر اللهِ بسُرعةٍ ودونَ سُؤالٍ، وهذا هو الذي يَنبغي للمُسلمِ الحقِّ.
وفيه: بيانُ رحمةِ اللهِ بعِبادِه وأنَّه لا يُحاسِبُ على الفِعلِ قَبلَ إنزالِ الحُكمِ، وأنَّ مَن لم يَعلَمْ لا يُؤاخَذْ بجَهلِه فيما ليس معلومًا بالضرورةِ.

انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: اقْتَتَلَ غُلامانِ غُلامٌ مِنَ المُهاجِرِينَ، وَغُلامٌ مِنَ الأنْصارِ، فَنادى المُهاجِرُ أَوِ المُهاجِرُونَ، يا لَلْمُهاجِرِينَ وَنادى الأنْصارِيُّ يا لَلأَنْصارِ، فَخَرَجَ رَسولُ اللهِ ﷺ، فَقالَ: ما هذا دَعْوى أَهْلِ الجاهِلِيَّةِ قالوا: لا يا رَسولَ اللهِ، إلّا أنَّ غُلامَيْنِ اقْتَتَلا فَكَسَعَ أَحَدُهُما الآخَرَ، قالَ: فلا بَأْسَ وَلْيَنْصُرِ الرَّجُلُ أَخاهُ ظالِمًا، أَوْ مَظْلُومًا، إنْ كانَ ظالِمًا فَلْيَنْهَهُ، فإنَّه له نَصْرٌ وإنْ كانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ. (صحيح مسلم ٢٥٨٤).

دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: هي قولهم: يالفلان أو يآل فلان؛ كان الرجل منهم إذا تغلب عليه خصمه نادى قومه فيبتدرون إلى نصره ظالمًا كان أو مظلومًا؛ جهلاً منهم وعصبية.

التحذير من الغضب وبيان ما يُسكّن الغضب

عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النبيِّ ﷺ، فَجَعَلَ أَحَدُهُما تَحْمَرُّ عَيْناهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْداجُهُ، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إنِّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لو قالَها لَذَهَبَ عنْه الذي يَجِدُ: أَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ فَقالَ الرَّجُلُ: وَهلْ تَرى بي مِن جُنُونٍ؟.
حذَّرَ النَّبيُّ ﷺ مِنَ الغَضبِ؛ لِما يحملُ عليه مِنَ الشَّرِّ والتَّهوُّرِ، وكان ﷺ لا يغضبُ إلّا أنْ تُنتهَكَ حُرُماتُ اللهِ تعالى، وهو الغضبُ المحمودُ، وفي هذا الحَديثِ يُرشدُ النَّبيُّ ﷺ إلى ما يَسكنُ به الغضبُ ويَذهبُ أثرُه، وهو: أنْ يقولَ مَن أصابَه الغضبُ: «أَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ».
وقول الرَّجل: «وهلْ بي جنونٌ»؟! هذا مِن قلَّةِ فقْهِه، فتوَهَّم أنَّ الاستعاذةَ مُختصَّة بِالمجانينِ، ولم يعلمْ أنَّ الغَضبَ مِن نَزغاتِ الشَّيطانِ، وأنَّ الاستعاذةَ تدفعُ كَيدَه.

النَّهيُ عنْ تَعذيبِ النّاسِ حتّى الكُفّارِ بغيرِ مُوجبٍ شَرعيٍّ

عن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه مَرَّ بالشّامِ على أُناسٍ، وَقَدْ أُقِيمُوا في الشَّمْسِ، وَصُبَّ على رُؤُوسِهِمِ الزَّيْتُ، فَقالَ: ما هذا؟ قيلَ: يُعَذَّبُونَ في الخَراجِ، فَقالَ: أَما إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقولُ: “إنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ في الدُّنْيا” .
الْخَرَاجِ: الضريبة المفروضة على ما تخرجه الأرض.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عنْ تَعذيبِ النّاسِ حتّى الكُفّارِ بغيرِ مُوجبٍ شَرعيٍّ.