لماذا نهينا عن نسيان الفضل بيننا؟

قال تعالى: (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) البقرة: 237.
معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب؛ وهو: أخذ الواجب، وإعطاء الواجب، وإما فضل وإحسان؛ وهو: إعطاء ما ليس بواجب، والتسامح في الحقوق، والغضّ مما في النفس؛ فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات.

سر تشريع إعطاء المرأة المطلقة التي لم يُدْخَل بها نفقة المتعة

قال تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) البقرة: 236.
أباح الله تبارك وتعالى طلاق المرأة بعد العقد عليها وقبل الدخول بها … وإن كان في هذا انكسار لقلبها، ولهذا أمر تعالى بإمتاعها؛ وهو تعويضها عما فاتها بشيءٍ تُعطاه من زوجها بحسب حاله؛ على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره.

من أحكام إرضاع المطلقة ولدَها

قال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) البقرة: 233.
على الأب نفقتها وكسوتها، وهي الأجرة للرضاع. ولا يُكلف الفقير أن ينفق نفقة الغني، ولا من لم يجد شيئًا بالنفقة حتى يجد. ولا يحل أن تُضار الوالدة بسبب ولدها، إما أن تُمنع من إرضاعه، أو لا تُعطى ما يجب لها من النفقة والكسوة أو الأجرة، ولا أن تمتنع من إرضاعه على وجه المضارة له، أو تطلب زيادة عن الواجب.

خطاب لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث

قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة: 232.
هذا خطاب لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث إذا خرجت من العدة، وأراد زوجها أن ينكحها، ورضيت بذلك، فلا يجوز لوليها، من أب وغيره؛ أن يعضلها؛ أي: يمنعها من التزوج به حنقًا عليه؛ وغضبًا؛ واشمئزازًا لما فعل من الطلاق الأول.
وذكر أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإيمانه يمنعه من العضل. فالله (يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فامتثلوا أمر من هو عالم بمصالحكم، مريد لها، قادر عليها، ميسّر لها من الوجه الذي تعرفون وغيره.

من وصايا القرآن في إقامة البيوت واستقرار الأسرة

قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة: 232.
والإشارة في ﴿ذلِكُم أَزْكى﴾ إلى ترك العضل، وأَزكى وأَطْهَرُ معناه: أطيب للنفس، وأطهر للعِرْض والدين؛ بسبب العلاقات التي تكون بين الأزواج، وربما لم يعلمها الولي؛ فيؤدّي العضل إلى الفساد والمخالطة على ما لا ينبغي، والله تعالى يعلم من ذلك ما لا يعلم البشر.

ما عضل المرأة؟ وما حكمه؟

قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة: 232.
نزلت هذه الآية في الرجل يُطلق امرأته طلقة أو طلقتين؛ فتنقضي عدتها، ثم يبدو له أن يتزوجها وأن يراجعها، وتريد المرأة ذلك؛ فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله أن يمنعوها… وفيها دلالة على أن المرأة لا تملك أن تزوّج نفسها، وأنه لا بد في النكاح من وليّ.

من صور الاعتداء المحرم

قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) البقرة: 231.
(وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) كان الرجل يُطلق المرأة، فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها ضرارًا، لئلا تذهب إلى غيره، ثم يطلقها فتعتد، فإذا شارفت على انقضاء العدة طلق لتطول عليها العدة، فنهاهم الله عن ذلك وتوعدهم عليه فقال: ﴿ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾.

لماذا قُصِرَ الطلاق الرجعي على المرتين فقط؟

قال تعالى: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) البقرة: 229.
لأنَّ مَن زاد على الثنتين؛ فإما متجرئ على المحرم، أو ليس له رغبة في إمساكها، بل قصده المضارة.

النهي عن مخالطة كل مشرك

قال تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) البقرة: 221.
﴿ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ أي: في أقوالهم أو أفعالهم وأحوالهم؛ فمُخالِطهم على خطر منهم، والخطر ليس من الأخطار الدنيوية، إنما هو من الشقاء الأبدي. ويستفاد من تعليل الآية: النهي عن مخالطة كل مشرك ومبتدع؛ لأنه إذا لم يجز التزوج مع أن فيه مصالح كثيرة فالخُلطة المجردة من باب أولى، وخصوصًا الخلطة التي فيها ارتفاع المشرك ونحوه على المسلم.

ترك الشبهات والأخذ بالأحوط في الدين

عن عقبة بن الحارث، أنه تزوج ابنةً لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوّج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله ﷺ بالمدينة فسأله، فقال رسول الله ﷺ: «كيف وقد قيل» ففارقها عقبة، ونكحت زوجًا غيره.
كيف وقد قيل: أي كيف تبقيها عندك تباشرها وتفضي إليها وقد قيل: إنك أخوها.

الزواج من أبواب الرزق

قال الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور: 32]، “”في هذه الآية دليل على تزويج الفقير، ولا يقولن كيف أتزوج وليس لي مال؟ فإن رزقه ورزق عياله على الله””. [الإمام ابن العربي المالكي].