فصائل العشر الأول من شهر ذي الحجة

أقسم الله عز وجل بهذه الليالي العشر الأول من شهر ذي الحجة فقال تعالى: {والفَجْرِ ولَيالٍ عَشْرٍ} (سورة الفجر:1- 2).
قال ابن كثير: “واللَّيالِي العَشْرُ: المُرادُ بِها عَشَرُ ذِي الحِجَّةِ. كَما قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وابْنُ الزُّبَيْرِ، ومُجاهِدٌ، وغَيْرُ واحِدٍ مِنَ السَّلَفِ والخَلَفِ (تفسير ابن كثير ٨/ ٣٩٠).

هل الغنى أفضل أم الفقر؟

قال ابن القيم رحمه الله:
“قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ – قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ – والفَقْرُ والغِنى ابْتِلاءٌ مِنَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ. كَما قالَ تَعالى: ﴿فَأمّا الإنْسانُ إذا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنِ * وأمّا إذا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانَنِ﴾ [الفجر: ١٥-١٦]؛ كَلّا أيْ لَيْسَ كُلُّ مَن وسَّعْتُ عَلَيْهِ وأعْطَيْتُهُ: أكُونُ قَدْ أكْرَمْتُهُ، ولا كُلُّ مَن ضَيَّقْتُ عَلَيْهِ وقَتَّرْتُ: أكُونُ قَدْ أهَنْتُهُ، فالإكْرامُ: أنْ يُكْرِمَ اللَّهُ العَبْدَ بِطاعَتِهِ، والإيمانِ بِهِ، ومَحَبَّتِهِ ومَعْرِفَتِهِ. والإهانَةُ: أنْ يَسْلُبَهُ ذَلِكَ.. ولا يَقَعُ التَّفاضُلُ بِالغِنى والفَقْرِ، بَلْ بِالتَّقْوى، فَإنِ اسْتَوَيا فِي التَّقْوى اسْتَوَيا فِي الدَّرَجَةِ”.

من آيات الله تعالى وأدلة توحيده وبراهين قدرته

قال الله تعالى: {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} [الطور:6].
قال السعدي رحمه الله: “(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) أي: المملوء ماء، قد سجره الله، ومنعه من أن يفيض على وجه الأرض، مع أن مقتضى الطبيعة أن يغمر وجه الأرض، ولكن حكمته اقتضت أن يمنعه عن الجريان والفيضان؛ ليعيش من على وجه الأرض، من أنواع الحيوان وقيل: إن المراد بالمسجور، الموقد الذي يوقد [نارًا] يوم القيامة، فيصير نارًا تلظى، ممتلئًا على عظمته وسعته من أصناف العذاب. هذه الأشياء التي أقسم الله بها، مما يدل على أنها من آيات الله وأدلة توحيده، وبراهين قدرته، وبعثه الأموات”

من حكمة الابتلاء بالشر والخير

قال تعالى: ‏(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) الأنبياء: 35.
أي: نختبركم بالشر؛ لنعلم كيف صبركم،
وبالخير؛ لنعلم كيف شكركم.

حال المؤمن عند إخراج الزكاة أو الصدقة

قال تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ البقرة: 265.
أي: يُخْرِجون الزكاة طيبةً بها أنفسهم على يقين بالثواب، وتصديق بوعد الله، يعلمون أن ما أخرجوا خير لهم مما تركوا، وقيل: على يقين بإخلاف الله عليهم.

تربية النفس على النفقة والبذل

قال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) البقرة: 265.
هذا مثل المنفقين أموالهم على وجه تزكو عليه نفقاتهم وتقبل به صدقاتهم فقال تعالى: ﴿ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله﴾ أي: قصدهم بذلك رضى ربهم والفوز بقربه، ﴿وتثبيتًا من أنفسهم﴾ أي: صدر الإنفاق على وجه منشرحة له النفس سخية به، لا على وجه التردد وضعف النفس في إخراجها.

السؤال: ما دلالة ختم الآية بصفة ﴿الحليم﴾ لله عز وجل؟

قال تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) البقرة: 263.
﴿حليم﴾ أي: لا يُعاجل من عصاه، بل يرزقه وينصره، وهو يعصيه ويكفره.

رحمة الله وإحسانه وحلمه يمنعه من معاجلته للعاصين

قال تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) البقرة: 263.
(قول معروف﴾ أي: تعرفه القلوب ولا تنكره، ﴿ومغفرة﴾ لمن أساء إليك بترك مؤاخذته والعفو عنه.. ﴿والله غني﴾ عنها، ومع هذا فهو ﴿حليم﴾ على من عصاه لا يعاجله بعقوبة مع قدرته عليه، ولكن رحمته وإحسانه وحلمه يمنعه من معاجلته للعاصين، بل يُمهلهم ويصرّف لهم الآيات لعلهم يرجعون إليه وينيبون إليه، فإذا علم تعالى أنه لا خير فيهم ولا تغني عنهم الآيات ولا تفيد بهم المثلات أنزل بهم عقابه وحرمهم جزيل ثوابه.

من صور سمو الأخلاق في الإسلام

قال تعالى: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) البقرة: 263.
﴿قول معروف﴾: هو ردّ السائل بجميل من القول؛ كالدعاء له والتأنيس، ﴿ومغفرة﴾: عفو عن السائل إذا وجد منه جفاء، وقيل: مغفرة من الله لسبب الرد الجميل.

ما الظلمات التي يخرج منها المؤمن عند إيمانه؟ وما النور الذي يلاقيه؟

قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) البقرة: 257.
فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم، وكان جزاؤهم على هذا أن سلَّمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور.

من أهم أسباب خسارة ولاية الله تعالى وتوفيقه

الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة: 257.
تولوا الشيطان وحزبه، واتخذوه من دون الله وليًّا ووالوه، وتركوا ولاية ربهم وسيدهم، فسلَّطهم عليهم عقوبةً لهم فكانوا يؤزونهم إلى المعاصي أزًّا، ويزعجونهم إلى الشر إزعاجًا، فيخرجونهم من نور الإيمان والعلم والطاعة إلى ظلمة الكفر والجهل والمعاصي، فكان جزاؤهم على ذلك أن حُرِمُوا الخيرات، وفاتهم النعيم والبهجة والمسرات.

معنى ولاية الله تعالى وثمراتها

قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) البقرة: 257.
﴿الله ولي الذين آمنوا﴾ وهذا يشمل ولايتهم لربهم، بأن تولوه فلا يبغون عنه بدلاً ولا يشركون به أحدًا، قد اتخذوه حبيبًا ووليًّا، ووالوا أولياءَه وعادوا أعداءَه، فتولاهم بلطفه ومَنَّ عليهم بإحسانه، فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم، وكان جزاؤهم على هذا أن سلَّمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور.