من تحرى الصدق في خبره، والعدل في أمره فقد لزم كلمة التقوى

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“كُلُّ مَن تَحَرّى الصِّدْقَ فِي خَبَرِهِ، والعَدْلَ فِي أمْرِهِ؛ فَقَدْ لَزِمَ كَلِمَةَ التَّقْوى. وأصْدَقُ الكَلامِ وأعْدَلُهُ قَوْلُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَهُوَ أخَصُّ الكَلِماتِ بِأنَّها كَلِمَةُ التَّقْوى”

تعود كثير من أخطائنا إلى الخطأ في تقويم الناس

قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ البقرة: 204. وفي هذه الآية دليل وتنبيه على الاحتياط فيما يتعلق بأمور الدين والدنيا، واستبراء أحوال الشهود والقضاة، وأن القاضي لا يعمل على ظاهر أحوال الناس وما يبدو من إيمانهم وصلاحهم حتى يبحث عن باطنهم؛ لأن الله تعالى بيّن أحوال الناس، وأن منهم مَن يُظهِر قولًا جميلًا، وهو ينوي قبيحًا.

الإنصاف والاعتدال في الحكم على الرجال

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من سلك طريق الاعتدال عَظَّم مَن يستحق التعظيم، وأحبه ووالاه، وأعطى الحق حقه؛ فيعظّم الحقّ ويرحم الخلق، ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات، فيُحْمَد ويُذَمُّ، ويُثاب ويُعَاقب، ويُحَبّ من وجهٍ، ويُبْغَض من وجهٍ، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.

فضل الإيمان، والتحذير من الشرك

قال رسول الله ﷺ: “إنَّ الله لا يظلم مؤمنًا حسنة، يُعْطَى بها في الدنيا، ويُجْزَى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطْعَم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يُجْزَى بها”
في هذا الحديث يظهر عظيم عدل الله سبحانه، وأنه لا يظلم الناس شيئًا، فلا ينقص المؤمن ثواب حسنة عملها، فإنه يُعْطَى بها في الدنيا، مع ما يدّخر له في الآخرة. وأما الكافر فإنه رغم أن الله لا يُقبل منه؛ لأنه لم يؤمن بالله ولم يؤمن بمحمد رسول الله، إلا أن الله لا يظلمه عمله فيكافئه عليه في الدنيا، فيُطْعِمه به حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يُجْزَى بها.

أهمية الإنصاف والعدل في الأقوال والأفعال

قال الإمام مالك -رحمه الله-: “أقلُّ ما في زماننا الإنصاف
” قال القرطبي -رحمه الله- في القرن السادس الهجري معلقًا على كلام مالك -: “هذا في زمن مالكٍ، فكيف في زمانِنا اليوم الذي عمَّ فينا الفساد، وكثُر فيه الطغام، وطُلِبَ فيه العلم للرياسة لا للدراية، بل للظهور في الدنيا، وغلَبةِ الأقران بالمِراء والجدال الذي يقسِّي القلب، ويُورث الضغن؛ وذلك مما يحمل على عدم التقوى وتركِ الخوف من الله تعالى”.

من صور عدل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فَرَضَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لِلْمُهاجِرِينَ الأوَّلِينَ أرْبَعَةَ آلاَفٍ (يعني عطاء من بيت المال)، وفَرَضَ لاِبْنِ عُمَرَ ثَلاَثَةَ آلاَفٍ وخَمْسَمِئَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنَ المُهاجِرِينَ، فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِن أرْبَعَةِ آلاَفٍ؟ فَقالَ: إنَّما هاجَرَ بِهِ أبَواهُ. يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَن هاجَرَ بِنَفْسِهِ”

يعظم الذنب بحسب عِظَمِ المفسدة

قال النبيُّ ﷺ: “أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ”صحيح البخاري 6864
قال ابن حجر رحمه الله: “وفي الحديث عِظَمِ أمرِ الدَّمِ؛ فإنَّ البداءة إنما تكون بالأهم, والذنب يعظم بحسب عِظَمِ المفسدة, وتفويتِ المصلحة, وإعدامُ البِنْيَة الإنسانية غاية في ذلك, وقد ورد في التَّغليظ في أمْرِ القتل آياتٌ كثيرة وآثارٌ شهيرة” فتح الباري 11/397

من حِكْمَة القاضي شُرَيح في القضاء بين الناس

عن الشعبي رحمه الله قال: “شهدت شريحًا -رحمه الله- وجاءته امرأة تخاصم رجلاً، فأرسلت عينيها فبكت. فقلت: أبا أمية! ما أظن هذه البائسة إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إنَّ إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاءً يبكون.

حسن الخلق يقوم على الصبر والعفة والشجاعة والعدل

قال ابن القيم رحمه الله:
“وحسن الخلق يقوم على أربعة أركان: الصبر والعفة والشجاعة والعدل.
فالصبر: يحمله على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم والأناة، والرفق وعدم الطيش والعجلة.
والعفة: تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح، وتحمله على الحياء وتمنعه من الفحشاء والبخل والكذب والغيبة والنميمة.
والشجاعة: تحمله على عزة النفس، وإيثار معالي الأخلاق، وعلى البذل والكرم، وتحمله على كظم الغيظ؛ فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنانها ويكبحها بلجامها عن النزغ والبطش.
والعدل: يحمله على اعتدال أخلاقه، وتوسطه فيها بين طرفي الإفراط والتفريط”.
(مدارج السالكين 2 / 308- بتصرف واختصار).