الصدقة بمال أو كلام حجاب عن النار ولو قلّت

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””] قال ﷺ: (مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ؛ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ؛ فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) (صحيح البخاري 7074). ‎ “[/box]

الشرح و الإيضاح

يَحكي عدِيُّ بنُ حاتمٍ الطَّائيُّ رضي الله عنه أنَّه قال: بينا أنا عند النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذ أتاه رجلٌ فشكَا إليه الفاقةَ، ثمَّ أتاه آخرُ فشكَا إليه صلَّى الله عليه وسلم قَطْعَ السَّبيلِ، أي: الطَّريقِ مِن طائفةٍ يترصَّدون في المكامنِ لأخذِ المالِ، أو لغير ذلك، فقال: يا عديُّ، هل رأيتَ الحِيرةَ؟ كانت بلدَ ملوكِ العربِ الَّذين تحت حُكمِ آلِ فارسَ، وكان مُلِكُهم يومئذٍ إياسَ بنَ قَبيصةَ الطَّائيَّ، ولِيَها مِن تحتِ يدِ كسرى بعد قتلِ النُّعمانِ بن المُنذِر، فأجابه: لم أرَها، وقد أُنبِئْتُ، أي: أُخبِرْتُ عنها، قال: فإن طالَتْ بك حياةٌ لتريَنَّ الظَّعينةَ، وهي المرأةُ في الهَوْدَجِ، ترتحِلُ مِن الحِيرةِ حتَّى تطوفَ بالكعبةِ لا تخافُ أحدًا إلا اللهَ، قال عدِيٌّ: قلتُ فيما بيني وبين نفسي متعجِّبًا: فأين دُعَّارُ طيِّئٍ؟! والدُّعَّارُ جمعُ داعرٍ، وهو الشَّاطرُ الخبيثُ المفسِد، والمراد: قُطَّاعُ الطَّريق، أي: كيف تمرُّ المرأةُ على قطَّاعِ الطَّريق مِن طيِّئٍ غيرَ خائفةٍ وهم يقطَعون الطَّريقَ على مَن مرَّ عليهم بغيرِ جِوارٍ؟ والَّذين قد سعَّروا البلادَ، أي: ملَؤوها شرًّا وفسادًا، ولئن طالَتْ بك حياةٌ لَتُفتَحَنَّ كنوزُ كسرى، قال عديٌّ مستفهِمًا، قلتُ: كسرى، أي: كنوز كسرى بن هُرْمُزَ؟ قال عليه الصَّلاة والسَّلام: كسرى بن هُرمُز ملِك الفُرْس، وإنَّما قال عدِيٌّ ذلك؛ لعظَمَةِ كِسرى إذ ذاك، ولئن طالت بك حياةٌ لتريَنَّ الرَّجل يُخرِج مِلءَ كفِّه مِن ذهَب أو فضَّةٍ يطلُبُ مَن يقبَلُه منه، فلا يجِدُ أحدًا يقبَلُه منه؛ لعدمِ الفقراءِ حينئذ، قيل: وذلك يكونُ في زمنِ عيسى عليه السَّلام، وليَلقَيَنَّ اللهَ أحدُكم يومَ يلقاه في القيامةِ وليس بينه وبينه تَرجمانٌ يُترجِمُ له: فيقولَنَّ: ألم أبعَثْ إليك رسولًا فيُبلِّغَك؟! فيقول: بلى يا رب، فيقول جلَّ وعلا: ألم أُعطِك مالًا وأُفضِلْ عليك؟ مِن الإفضالِ، أي: أُحسِنْ إليك، بمعنى أعطيتُك المالَ ومكَّنتُك مِن إنفاقِه والاستمتاعِ به، فيقول: بلى يا ربِّ، فينظُر عن يمينِه فلا يرى إلا جهنَّمَ، وينظُر عن يسارِه فلا يرى إلا جهنَّمَ، قال عديٌّ: سمِعْتُ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: اتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ، فمَن لم يجِدْ شِقَّ تمرةٍ فبكلمةٍ طيِّبة، أي: فليجعَلْ كلُّ واحدٍ بينه وبين النَّار حاجزًا مِن الصَّدقةِ، ولو أن يتصدَّقَ بنصفِ تمرةٍ، فإن لم يجِدْ ما يتصدَّقُ فبكلمةٍ طيِّبةٍ تطِيبُ بها النَّفسُ، يرُدُّه بها ويطِيبُ قلبُه.
قال عدِيٌّ رضي الله عنه: فرأيتُ الظَّعينةَ ترتحِلُ مِن الحِيرةِ حتَّى تطوفَ بالكعبة لا تخافُ إلا اللهَ، وكنتُ فيمَنِ افتَتَح كنوزَ كسرى بنِ هُرْمُزَ، ولئن طالتْ بكم حياةٌ لترَوْنَ ما قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبو القاسِمِ، يُخرِج، أي: الرَّجلُ، مِلء كفِّه، أي: مِن ذهَبٍ أو فضَّة، فلا يجِدُ مَن يقبَلُه.
في الحديثِ:
التَّرغيبُ في المبادرةِ إلى إخراجِ الزَّكاةِ وعدمِ التَّباطؤِ بها.
وفيه: التَّحذيرُ مِن التَّسويفِ في إخراجِها؛ لأنَّه قد يكون التَّأخيرُ سببًا في عدمِ وجودِ مَن يقبَلُها.
وفيه: مُعجزةٌ ظاهرةٌ مِن مُعجزاتِه صلَّى الله عليه وسلَّم بإخبارِه عن أُمورٍ غَيبيَّة.
وفيه: قَبولُ الصَّدقةِ ولو قلَّتْ.
وفيه: تركُ احتقارِ القليلِ مِن الصَّدقةِ وغيرِها، وألَّا يحقِرَ شيئًا مِن المعروفِ؛ قولًا وفعلًا، وإنْ قلَّ.
وفيه: أنَّهم كانوا يَشْكُون إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مِن عَيْلةٍ وقَطعِ طريقٍ وغيرِه؛ لِما يرجُون عنده مِن الفَرَج.
وفيه: دليلٌ على قُربِ النَّار مِن أهلِ الموقِف.

مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/7592