[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:204- 205]. قال ابن تيمية رحمه الله: “”السعي: هو العمل والفعل؛ فمن سعى ليُفْسِد أمرَ الدين؛ فقد سعى في الأرض فسادًا وإن خاب سعيه””. (الصارم المسلول ص391).[/box]
الشرح و الإيضاح
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204).
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
أي: إنَّ بعضَ النَّاس، مِن المنافقين، مَن تستحسنُ يا محمَّد، مَنطقَه وظاهرَ قوله، فتُعجِبك فصاحتُه، لكنه يتحدَّث في شؤون الدُّنيا بعيدًا عمَّا يتعلَّقُ بأمور الآخرة، أو يُعجِبُك ظاهرُ حديثِه عن أمور الدِّين؛ كنُصرةِ الإسلام والمسلمين، وحبِّ الرَّسول عليه الصَّلاةُ والسلام، وغير ذلك، لكنه حديثٌ ينفَعُه في الدنيا فحسب، أما في الآخرة فلا ينتفع به البتَّةَ .
وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ.
أي: ويُقرنُ حُسنَ كلامِه ويؤكِّد ظاهرَ حديثِه بأنْ يُخبِرَ أنَّ الله تعالى يعلَمُ بأنَّ ما في قلبه موافقٌ لِما نطَق به، وهو كاذبٌ في ذلك؛ فهو في الحقيقةِ يُبارِزُ اللهَ عزَّ وجلَّ بما ينطوي عليه قلبُه من الكفرِ.
كما قال تعالى: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون: 1 – 4].
وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ.
أي: يُشْهِد اللهَ تعالى على أنَّه محقٌّ في قولِه ذلك؛ لشِدَّة خصومتِه، وتجدُه- لاعتمادِه على فصاحتِه- مُجادِلًا بالباطل، وناطقًا بالزُّور مِن القول، كاذبًا في حديثِه، وفاجرًا في خِصامِه؛ فالمُنافِق أسوأُ المخاصِمينَ، وأعوجُهم، وأشدُّهم عداوةً.
عن عائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إنَّ أبغضَ الرِّجالِ إلى اللهِ الألدُّ الخَصِمُ)) .
وعن عبدِ الله بن عمرٍو رضي الله عنهما، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّمَ قال: ((أربعُ خلالٍ مَن كُنَّ فيه كان مُنافِقًا خالصًا: مَن إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَد أخلَفَ، وإذا عاهَد غدَرَ، وإذا خاصَمَ فجَر، ومَن كانت فيه خَصلةٌ منهنَّ كانت فيه خَصلةٌ منَ النِّفاقِ حتَّى يدَعَها)) .
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205).
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا.
أي: كما أنَّ مقالَه مُعْوجٌّ، واعتقاده فاسدٌ، فأفعاله كذلك سيِّئةٌ وقبيحة، فإذا خرَج وانصرف عنك هذا الذي يُعجِبُك قولُه، سار في الأرض مجتهدًا في إفسادِها بالكفر، والظُّلم، وعمَل المعاصي؛ كقَطْع الطَّريق، وإخافة السَّبيل، وغير ذلك .
وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.
أي: هِمَّتُه في إتلاف الحَرْث، وهو: محلُّ نَماء الزُّروع والثِّمار، وإتلاف النسل، وهو: نتاجُ الحيوانات؛ فهذانِ لا قِوام للنَّاس إلا بهما، وبإتلافِهما يختلُّ نظامُ الحياة، كما أنَّه إذا سعى في الأرض فسادًا بالكفرِ والظُّلم والمعاصي، منَع اللهُ تعالى القطرَ من السَّماءِ عقوبةً؛ فتَتْلَف الزُّروع، وتموت الحيوانات.
كما قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: 41].
وقال عزَّ وجلَّ: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف: 96].
وَاللهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ.
أي: إنَّ الله تعالى لا يحبُّ تلك الأفعالَ، ولا مَن قام بها، وإنْ قال بلسانه قولًا يُعجِب النَّاسَ.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/tafseer/2/35