من مواعظ القرآن العظيم للمؤمنين

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ إوَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [آل عمران: 139-142].[/box]

الشرح و الإيضاح

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
أي: لا تَضعُفوا ولا تَتثبَّطوا- أيُّها المؤمنون- عن جِهاد عدوِّكم، ولا يُصيبنَّكم الحزنُ؛ بسببِ الهزيمةِ التي تَعرَّضتم لها من قِبَل عدوِّكم يومَ أحد، وما نالَكم فيه من قتْلٍ وجراح؛ فأنتُم الأعلى دائمًا في جميعِ الأحوالِ حتى لو كنتُم مغلوبينَ، ما دُمتُم باقين على إيمانكم؛ فإنَّ هذا الوهنَ والحزنَ غيرُ لائقٍ بالمؤمنين .
قال تعالى: فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 35].
وقال سبحانه: وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [النساء: 104].
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)
إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ
أي: إنْ كنتُم قد أصابتْكم جراحٌ، وقُتِلَ منكم جماعةٌ في غزوة أُحُد، فقد أصابَ أعداءَكم قَريبٌ من ذلك، مِن قتْلٍ وجراحٍ في أُحُد أو بَدْر، فتساويتُم أنتُم وإيَّاهم في ذلك؛ فلا تبتئِسوا .
وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
أي: إنَّ اللهَ تعالى يَجعل الأيَّام دُوَلًا بين الناس؛ مؤمنِهم وكافرِهم، فيُصرِّفُها كيف يشاء؛ فمرَّةً يُديل المؤمنينَ على الأعداءِ، فتكونُ لهم الغَلَبةُ، ومرةً يُديل الأعداءَ على المؤمنين، فتكونُ الغلبةُ لهم؛ ففي بدرٍ كان النصرُ للمُؤمنين، وفي أُحُدٍ كان النصرُ للمُشرِكين (17) .
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
مُناسَبةُ الآيةِ لِمَا قَبلَها:
لَمَّا سلَّى اللهُ تعالى عِبادَه المؤمنين عن الهزيمةِ التي وقَعتْ لهم يوم أُحُد، وأنَّ الأيَّامَ دُولٌ بين الناس، شرَع سبحانه في بيان الحِكَم العظيمةِ المترتِّبةِ على ذلك (18) ، فقال:
وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
أي: إنَّ اللهَ تعالى يُصرِّف الأيَّام بين الناس نصرًا وهزيمة؛ ليظهرَ بذلك صادقُ الإيمانِ من غيرِه كما عَلِمه الله تعالى بسَابِق عِلْمه في الأزلِ؛ فإنَّ المؤمنين لو كانوا دائمًا مَنصورِينَ، فإنَّ الجميعَ سيُظهرون لهم الموالاةَ، ولن يَتميَّز أعداؤُهم من أوليائِهم حقيقةً .
وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ
أي: ومِن أسبابِ إدالةِ اللهِ تعالى الأيَّامَ بين الناس بتمكينِه للكفَّار أحيانًا على بعض المؤمنين: إكرامُ عِبادِه المؤمنين بالشَّهادةِ بالقتْلِ في سبيلِه، كما وقَع يوم أُحُد، ولولا ذلك لَمَا نالوا تلك الحُظوةَ الرَّفيعة، وذلك المقامَ السَّامي (20) .
وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ
أي: إنَّ اللهَ تعالى لا يحبُّ الكافِرين والمنافِقين، الذين وَضَعوا- بالكفر- أنفسَهم في غيرِ ما خُلِقتْ لأجْله، فبَخَسوها حقَّها؛ ولذا أَقعدَ المنافقين يومَ أُحُدٍ عن القتال مع المؤمنين؛ لأنَّه يُبغضُهم، كما أنَّ الله تعالى إذا أدالَ الكافِرين على المؤمنين أحيانًا لا لأنَّه يُحبُّهم، بل لِمَا سبَق ذِكرُه من أسباب، وإذا أدالَ المؤمنين عليهم فلأجْل محبَّتِه سبحانه لهم .
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
أي: ومِن حِكَم الإدالةِ على المؤمنين تَنقيتُهم من الذُّنوب، سواءٌ بما حصَل لهم مِن قتْل، أو بما أصابَهم من جِراح، ومِن ذلك أنَّهم إنِ انتصروا دائمًا، حصَلَ لنفوسِهم طغيانٌ وضَعْفُ إيمان، يُوجِب لهم العقوبةَ والهوان.
وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ
أي: يُهلِكُهم ويُفنيهم؛ فإنَّهم إنِ انتَصروا طَغَوْا وبغَوْا وبطَروا؛ فيكون ذلك سببًا في استئصالِهم بعقوبةٍ تُدمِّرهم .
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)
أي: لا تظنُّوا- يا معشرَ المؤمنين- أنْ تنالوا شَرَفَ دخولِ الجنَّة قبلَ أن تُبتَلَوْا، ويرَى اللهُ تعالى- واقعًا ظاهرًا- المجاهدين منكم في سبيلِه، ويرَى كذلك الصَّابرين على الجهادِ وعلى ما يَنالهم من مَصائبَ وآلامٍ، كما وقَع يوم أُحُد .
مصدر الشرح:
https://dorar.net/tafseer/3/42
https://dorar.net/tafseer/3/43