من صفات المؤمنين وجزاؤهم في سورة الرعد

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال الله تعالى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [سورة الرعد: 19- 24]. [/box]

الشرح و الإيضاح

أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى.
أي: أهذا الذي يعلَمُ أنَّ القُرآنَ الذي أنزَلَه اللهُ عليك- يا محمَّدُ- حَقٌّ لا شَكَّ فيه، فيؤمِنُ به ويتَّبِعُه- كالذي هو أعمَى القَلبِ، لا يعلَمُ ما أنزَلَ اللهُ في كِتابِه، ولا يفهَمُه ولا يتَّبِعُه؟! أفهذا كهذا؟! لا يستويانِ .
كما قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 9].
وقال عزَّ وجلَّ: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ [غافر: 58].
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ.
أي: إنَّما يتَّعِظُ بآياتِ اللهِ ويَعتَبِرُ بها أصحابُ العُقولِ السَّليمةِ الصَّحيحةِ.
كما قال تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر: 18].
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20).
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ .
أي: الَّذين يُوفُونَ بالعهدِ الذي بينَهم وبينَ الله تعالى مِن الأوامرِ والنَّواهي، والعهدِ الذي بينَهم وبينَ النَّاسِ، كالوفاءِ بالعقودِ في المعاملاتِ، وأداءِ الأماناتِ إلى غير ذلك .
وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ.
أي: ولا يقعُ منهم نقضٌ لهذا العهدِ المؤكَّد، فهم مستمرُّون على الوفاءِ به .
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (21).
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ.
أي: ومِن صفاتِ أُولي الألبابِ أنَّهم يَصِلونَ كُلَّ ما أمَرَ اللهُ بوَصلِه؛ مِن الإيمانِ باللهِ وطاعتِه، وعبادتِه وَحدَه لا شريكَ له، وصلةِ الأرحامِ، وغيرِ ذلك .
وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ .
أي: ويخشونَ رَبَّهم، إن خالفوا أوامِرَه فقَطَعوا ما أمَرَهم بوَصلِه .
وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ.
أي: ويخافونَ مُناقشةَ اللهِ لهم عن جميعِ أعمالِهم وعدمِ مَغفرةِ ذُنوبِهم .
وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22).
وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ.
أي: والذين صبَروا على طاعةِ اللهِ وعن مَعاصيه، وعلى أقدارِه المؤلِمةِ، طَلبًا لرِضوانِه وثَوابِه .
وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ.
أي: وأدَّوُا الصَّلواتِ بأركانِها وشُروطِها، وواجِباتِها، في مَواقيتِها، خاشعينَ فيها .
وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً.
أي: وأخرجوا الزَّكَواتِ المفروضةَ، والنَّفَقاتِ الواجِبةَ مِن الأموالِ التي رزَقناهم، فأعطَوها لمُستحِقِّيها في الخفاءِ وفي العَلَنِ .
كما قال تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 274].
وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ.
أي: ويدفعونَ بالعملِ الصالحِ السيِّئَ مِن الأعمالِ .
كما قال تعالى: إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود: 114].
وقال عزَّ وجلَّ: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 34-35].
أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ.
أي: أولئك- المؤمِنونَ الذين ذكَرْنا أوصافَهم- لهم في الآخِرةِ الجنَّةُ .
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23).
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ.
أي: لهم جَنَّاتُ مُكثٍ وإقامةٍ دائِمةٍ، يدخُلونَها هم والصَّالِحونَ مِن آبائِهم وأمَّهاتِهم وأزواجِهم وأولادِهم .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21].
وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ.
أي: والملائِكةُ يَدخُلونَ على المؤمنينَ مِن كُلِّ بابٍ؛ للسَّلامِ عليهم، وتهنِئتِهم بدُخولِ الجنَّةِ .
سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24).
أي: تقولُ الملائكةُ لأهلِ الجنَّةِ: سَلَّمَكم اللهُ- أيُّها المؤمِنونَ- من العذابِ والأهوالِ والشُّرورِ في الآخرةِ (22) ؛ بسبَبِ صَبرِكم في الدُّنيا، فنِعمَ عُقبى الدَّارِ الجنَّةُ .
مصدر الشرح:
https://dorar.net/tafseer/13/6