قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) البقرة: 243.
وفي هذه القصة عبرة ودليل على أنه لن يُغني حَذَر من قَدَر، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، فإن هؤلاء فرّوا من الوباء طلبًا لطول الحياة فعُومِلُوا بنقيض قَصْدهم، وجاءهم الموت سريعًا في آن واحد.
تفسير ابن كثير: 1/661.
الشرح والإيضاح
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ).
أي: ألم تعلمْ يا محمَّد، خبرَ تلك الجموع المؤلَّفة من آلاف الأشخاص، الذين فرُّوا من دُورِهم وموطنِهم ابتغاءَ السَّلامة من الموت، إما حذرًا من إصابتهم بوباءٍ وقع في بلادهم، أو خوفًا من مقاتلة عدوٍّ يدهمهم في أرضهم.
(فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ).
أي: أمَر الله تعالى أمرًا كونيًّا بأنْ يموتوا، فماتوا، ثم أحياهم اللهُ تعالى بعدَ مُدَّة، فقاموا، فهؤلاء لَمَّا فروا- إمَّا من الوباء، أو مِن مقاتلةِ الأعداء؛ طلبًا لطولِ الحياةِ والبقاء- عُومِلوا بنقيض ما قَصدوا، وجاءهم الموت جميعًا فحُصدوا، وفي هذا حثٌّ للمؤمنين على جِهاد الأعداء، بإعلامهم أنَّ إليه وحده الإماتةَ والإحياء، وأنَّ الفرار من القتال والبقاء في الدُّور للاختباء، ليس بمُنجٍ أحدًا من وقوع القَدَر والقضاء.
(إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ).
أي: إنَّ الله تعالى هو صاحبُ الإحسان والإنعام على عموم النَّاس، ومِن ذلك تفضُّلُه عليهم ببيان آياته، وطريق إحياء أرواحهم بنور الهدى، ومنها إحياء أبدانهم بإنقاذهم من الموت والهلاك، وكان الواجب على النَّاس تقديم الشكر لله تعالى في مقابل تلك النِّعم، إلَّا أنَّ الصفة السَّائدة لديهم هي القيام بجحودِها، بالكفر، أو العصيان، أو الغفلة والنِّسيان.
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/2/41