لماذا كان المَنُّ مفسدًا للصدقة؟

قال تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة: 262.
وإنما كان المَنّ بالصدقة مُفْسِدًا لها مُحرَّمًا؛ لأن المِنَّة لله تعالى وحده، والإحسان كله لله؛ فالعبد لا يَمُنّ بنعمة الله وإحسانه وفضله، وهو ليس له، وأيضًا فإنَّ المانَّ مستعبد لمن يَمُنّ عليه، والذل والاستعباد لا ينبغي إلا لله.

تفسير السعدي: ص١١٣.

الشرح والإيضاح

(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى). أي: إنَّ الذي يَبذُل أموالَه في أوجه الخير، ابتغاءَ مرضاة الله تعالى، ثم لا يَمتنُّ على مَن أَنفَق عليه، سواء بقلبه، أو بلسانه كأنْ يُخبِره بأنَّه تفضَّل عليه بمنحه شيئًا، وأنَّه مَدين له لِقاء معروفه، ولا يقول أو يفعل أيضًا مكروهًا للمُنفَق عليه يُنافي ما قدَّمه له من إحسان، فذلك محظورٌ لِمَا فيه من تَكبُّر المُنفِق واستعلائه، واستعباد المُنفَق عليه، وكسْر قلبِه وإذلاله، بل على المُعطي في سبيل الله تعالى أنْ يشهد دائمًا أنَّ المتفضِّل والمُنعِم حقيقةً هو الله تعالى وحده، وعليه أنْ يتفكَّر أيضًا في أنَّ أجْره على الله تعالى بأضعافِ ما أَعطى، فأيُّ حقٍّ بقي له على الآخذ المُحتاج حتى يَمتنَّ عليه، أو يؤذيه بصنائع معروفه؟ (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). أي: إنَّ هؤلاء الذين يُنفِقون أموالَهم في سبيل الله تعالى بلا منٍّ ولا أذًى، يَستحِقُّون- وحْدَهم دون غيرهم من المنفقين- ثوابًا وجزاءً من الله تعالى وحده، قد تَكفَّل به الكريم مُقابِلَ صنيعهم هذا، فهو مُوفِّيه إيَّاهم لا محالة، ولهم مع ذلك أيضًا ألَّا يَخافوا من المستقبل ومِن ذلك، عدَم خوفهم عند مَقدَمهم على الله تعالى حين فِراقِهم للدُّنيا، ولا في أهوال القيامة، فلا يَنالُهم فيها مكروهٌ، ولا يُصيبهم فيها عقابٌ، ولا يحزنون أيضًا على ما مضى، ومن ذلك ما يُخلِّفونه وراءهم في الدنيا من أموالٍ وبنينَ عَقِب موتهم؛ لأنَّهم قد صاروا إلى ما هو خيرٌ لهم من ذلك، فحصَلتْ لهم بذلك الخيراتُ، واندفعت عنهم الشرورُ والسيئات. المصدر: https://dorar.net/tafseer/2/45

تحميل التصميم