كن ممَّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه

كن ممَّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ليهديك الله، ويشرح صدرك للخير.

{فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 17- 18].

{وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة: 83].

{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55].

الشرح والإيضاح

﴿وَٱلَّذِینَ ٱجۡتَنَبُوا۟ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن یَعۡبُدُوهَا وَأَنَابُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰۚ فَبَشِّرۡ عِبَادِ﴾ [الزمر ١٧]
لما ذكر حال المجرمين ذكر حال المنيبين وثوابهم، فقال: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا﴾ والمراد بالطاغوت في هذا الموضع، عبادة غير اللّه، فاجتنبوها في عبادتها. وهذا من أحسن الاحتراز من الحكيم العليم، لأن المدح إنما يتناول المجتنب لها في عبادتها.
﴿وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ﴾ بعبادته وإخلاص الدين له، فانصرفت دواعيهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الملك العلام، ومن الشرك والمعاصي إلى التوحيد والطاعات، ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى﴾ التي لا يقادر قدرها، ولا يعلم وصفها، إلا من أكرمهم بها، وهذا شامل للبشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن، والرؤيا الصالحة، والعناية الربانية من اللّه، التي يرون في خلالها، أنه مريد لإكرامهم في الدنيا والآخرة، ولهم البشرى في الآخرة عند الموت، وفي القبر، وفي القيامة، وخاتمة البشرى ما يبشرهم به الرب الكريم، من دوام رضوانه وبره وإحسانه وحلول أمانه في الجنة.
ولما أخبر أن لهم البشرى، أمره اللّه ببشارتهم، وذكر الوصف الذي استحقوا به البشارة فقال: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾
﴿ٱلَّذِینَ یَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥۤۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمۡ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ [الزمر ١٨]
﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾
وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام اللّه وكلام رسوله، كما قال في هذه السورة: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ الآية.
وفي هذه الآية نكتة، وهي: أنه لما أخبر عن هؤلاء الممدوحين أنهم يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كأنه قيل: هل من طريق إلى معرفة أحسنه حتى نتصف بصفات أولي الألباب، وحتى نعرف أن من أثره علمنا أنه من أولي الألباب؟
قيل: نعم، أحسنه ما نص اللّه عليه ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا﴾ الآية.
﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ لأحسن الأخلاق والأعمال ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: العقول الزاكية.
ومن لبهم وحزمهم، أنهم عرفوا الحسن من غيره، وآثروا ما ينبغي إيثاره، على ما سواه، وهذا علامة العقل، بل لا علامة للعقل سوى ذلك، فإن الذي لا يميز بين الأقوال، حسنها، وقبيحها، ليس من أهل العقول الصحيحة، أو الذى يميز، لكن غلبت شهوته عقله، فبقي عقله تابعا لشهوته فلم يؤثر الأحسن، كان ناقص العقل.
المصدر:
https://tafsir.app/saadi/39/18

(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ).
أي: وإذَا سَمِعوا، ما أُنزِل إلى مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن القرآنِ الكريمِ يُتْلَى.
(تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ).
أي: ترَى أعينَهم قد امتلأتْ دُموعًا فتسيلُ منها؛ وذلك لأنَّهم عرَفوا أنَّ الذي يُتلَى عليهم مِن كِتاب اللهِ تعالى حقٌّ، ومِن ذلك: بَعْثةُ النبيِّ الموعودِ به- محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الذي خبرُه من جُملةِ الحقِّ الذي جاءَ به عيسى عليه السلامُ، والنبيُّون مِن قَبلِه.
(يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ).
أي: والحالُ أنَّهم يقولون: يا ربَّنا، آمنَّا بالحقِّ؛ فلأجْلِ هذا الإيمانِ اجْعَلْنا مع محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأُمَّتِه، وأَثبِتْنا معهم في عِدادهم؛ فهم الذين يَشهَدون للهِ تعالى بالتوحيدِ، ولرُسلِه بالرِّسالة، وصحَّةِ ما جاؤُوا به، وأنَّهم بلَّغوا أُممَهم، ويَشهَدون على الأُممِ السَّابقة بالتصديقِ أو التَّكذيب.
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/5/26

(وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ).
أي: وإذا سَمِعوا الكَلامَ الباطِلَ أعرَضوا عن الاستِماعِ والإصغاءِ له، ولم يَلتَفِتوا إليه، ولم يَرُدُّوا على مَن آذاهم بالكَلامِ القَبيحِ .
(وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ).
أي: وقالوا: لنا دِينُنا الَّذي رَضِينا به لأنفُسِنا، ولكم دِينُكمُ الَّذي رَضيتُم به لأنفُسِكم، وسيُجازي اللهُ كُلًّا مِنَّا على عَمَلِه ثَوابًا أو عِقابًا، لا على عَمَلِ غَيرِه.
(سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ).
أي: أنتم سالِمونَ مِن أن نُؤذِيَكم بقَولٍ أو فِعلٍ، لا نُريدُ مُجادَلةَ السُّفَهاءِ المُخالِفينَ للحَقِّ، والمُعتَدِينَ على الخَلقِ؛ ولا نُصاحِبُهم، ولا نُحِبُّ طَريقَتَهم.
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/28/11

تحميل التصميم