لا تُكلِّف نفسك ما لا تطيق، فلا يكلف الله نفسًا إلا وُسعها
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا} [الطلاق: 7].
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286].
الشرح والإيضاح
﴿لِیُنفِقۡ ذُو سَعَةࣲ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَیۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡیُنفِقۡ مِمَّاۤ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا یُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَاۤ ءَاتَىٰهَاۚ سَیَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرࣲ یُسۡرࣰا﴾ [الطلاق ٧]
قدر تعالى النفقة، بحسب حال الزوج فقال: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾
أي: لينفق الغني من غناه، فلا ينفق نفقة الفقراء.
﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ أي: ضيق عليه ﴿فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ من الرزق.
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ وهذا مناسب للحكمة والرحمة الإلهية حيث جعل كلا بحسبه، وخفف عن المعسر، وأنه لا يكلفه إلا ما آتاه، فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، في باب النفقة وغيرها.
﴿سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ وهذه بشارة للمعسرين، أن الله تعالى سيزيل عنهم الشدة، ويرفع عنهم المشقة، ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾
https://tafsir.app/saadi/65/7
(لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ).
أي: لا يُحمِّل الله تعالى نفسًا فوقَ طاقتِها، فلا يتعبَّدها إلَّا بما يَسَعُها تَحمُّله، فلا يُضيِّق عليها، ولا يُجهِدها بما لا قِبل لها به، وهو وإنْ حاسَب وسأل، لكنَّه لا يُعذِّب بما لا يُمكِن للمرء دفْعُه؛ كوسوسة عَرَضتْ له، أو خَطْرة خطَرتْ بقلبه، ولكلِّ نَفْس ما عمِلتْ من خير، لا يَنقُص منها شيءٌ؛ وعليها ما عمِلتَ من شرٍّ، لا يُزاد عليها شيء.
(رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا).
أي: قولوا: يا ربَّنا، لا تُعاقِبْنا إنْ نسِينا القيامَ بفرضٍ، أو تَرْك مُحرَّم، ولا تُعاقِبنا يا ربَّنا، إنْ أخطأنا الصَّوابَ في العمل، جهلًا منَّا بوجْهه الشَّرعي، أو وقَعْنا في معصيتك جهلًا، عن غير قصْدٍ منَّا، بارتكاب نهيك.
(رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا).
أي: قولوا: يا ربَّنا، لا تُحمِّلنا عهدًا على القيام بأعمالٍ شاقَّةٍ وثقيلةٍ علينا، فنعجِز عن القيام بها، فتَحِلَّ علينا العقوباتُ، كما وقَع لليهود والنصارى وغيرهم ممَّن كُلِّفوا أعمالًا، وأُخِذتْ عليهم العهودُ والمواثيقُ على القيامِ بها، فلم يفعلوا، فعُوقِبوا.
(رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ).
أي: قولوا أيضًا: يا ربَّنا لا تُكلِّفنا من الأعمال ما لا نُطيق القيامَ به؛ لثِقَل حَمْله علينا، ولا تَبْتلِنا بما لا قِبَل لنا به.
(وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا).
أي: يا ربَّنا، تَجاوَز عمَّا بيننا وبينك من تقصيرٍ في أداء ما افترضتَه علينا، واستُر علينا فيما بيننا وبين عبادِك، فلا تُظهِرهم على سيِّئاتنا، وتَجاوَز عنها، وجُدْ علينا بالرحمة حتى لا نَقَع في ارتكابِ محظورٍ، أو تَهاوُنٍ في أداء مأمور، ونجِّنا برحمتك من غضبِك وعقابِك.
(أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).
أنت وليُّنا وناصِرُنا دون مَن عاداك وكَفَر بك؛ لأنَّا حِزبُك المؤمنون بك، والمُطيعون لك فيما أَمَرتنا ونَهيتنا؛ فبوَلايتِك الخاصَّة انصُرنا على الكافرين، الذين جَحدوا وحدانيتَكَ، وأَشرَكوا معك، وأَنكَروا رسالةَ نبيِّك، وعبدوا غيرَك، وأطاعوا الشَّيطانَ في معصيتِك، واجعل لنا العاقبةَ عليهم في الدُّنيا والآخرة.
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/2/49