قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ البقرة: 214. يخبر تبارك وتعالى أنه لا بد أن يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم، فهي سنته الجارية، التي لا تتغير ولا تتبدل، أن من قام بدينه وشرعه، لا بد أن يبتليه، فإن صبر على أمر الله، ولم يبال بالمكاره الواقفة في سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها، ومن السيادة آلتها. ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله، بأن صدته المكاره عما هو بصدده، وثنته المحن عن مقصده، فهو الكاذب في دعوى الإيمان، فإنه ليس الإيمان بالتحلي والتمني، ومجرد الدعاوى، حتى تصدقه الأعمال أو تكذبه.
تفسير السعدي: ص96.
الشرح والإيضاح
(أَمْ حَسِبْتُمْ أنَّ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ).
أي: أظننتم- أيُّها المؤمنون- أن تَصِلوا إلى الجنَّةِ دون أنْ تُصيبَكم في الطريق إليها شدائد؟ كلَّا، لا تظنُّوا ذلك، بل لا بدَّ أنْ تعترضَ طريقَكم هذا عوائقُ، وتُصيبَكم فيه مِحَنٌ وبلايا، تُبتلَوْن بها وتمحَّصُون، كما وقَع للَّذين مضَوْا من قبلكم.
(مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ).
أي: إنَّ مَن مَضى مِن مُؤمِني الأممِ السابقة قد أصابهم الفقرُ وشدَّةُ الحاجة، وأصابتهم الأمراضُ والأوجاعُ، وخُوِّفُوا ورُعِبُوا مِن قِبَل أعدائِهم بأنواع المخاوفِ، فأُصيبوا في أموالهم بالبأساءِ، وفي أبدانهم بالضَّرَّاء، وفي قلوبهم بالخوفِ، حتى وصَلَتْ بهم الحال إلى أنْ يتساءَلَ رسلُ اللهِ ومَن آمَن معهم: متى يأتي نصرُ الله تعالى؟ ليخرُجوا ممَّا هم فيه مِن ضيقٍ وكربٍ وشدَّة.
(أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ).
أي: أكَّد الله تعالى على أنَّ نصرَه قريب، وأنَّ فرجَه عاجلٌ، فمع العسر يأتي اليُسر، وكلَّما ضاق الأمر اتَّسَع.
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/2/36