أوّل مَن علّم البشرية عزل المرضى عن الأصحاء

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال النَّبِيُّ ﷺ: “”لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ”” (صحيح البخاري 5437). (يوردن) يحضرن ويأتين بإبله. (ممرض) من له إبل مرضى. (مصح) من كانت إبله صحيحة. قال المباركفوري: “”لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ”” فيه أَنَّ مُدَانَاةَ ذَلِكَ سَبَبٌ الْعِلَّةِ؛ فَلْيَتَّقِهِ اِتِّقَاءَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ وَالسَّفِينَةِ الْمَعْيُوبَةِ. إِنَّ الْأَمْرَ بِالتَّجَنُّبِ أَظْهَرُ مِنْ فَتْحِ مَادَّةِ ظَنِّ أَنَّ الْعَدْوَى لَهَا تَأْثِيرٌ بِالطَّبْعِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ فَلَا دَلَالَةَ أَصْلًا عَلَى نَفْيِ الْعَدْوَى. لأنَّه يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَعْطِيلِهَا، بَلْ وَرَدَ بِإِثْبَاتِهَا، وَالْعِبْرَةُ بِهَا. (تحفة الأحوذي 4/ 288 بتصرف واختصار).[/box]

الشرح و الإيضاح 

في هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سلَمةَ بنُ عبدِ الرحمَنِ بنِ عَوفٍ- وكانَ أحدَ التابِعينَ- أنَّ أبا هُرَيرةَ رضِيَ الله عنه يُحدِّث بحديثَينِ؛ الأوَّلُ: لا عَدْوى، والعَدْوى: انتِقالُ المرَضِ مِن المُصابِ به إلى آخَرَ سليمٍ؛ ليُصبِحَ مُصابًا بعدَ انتقالِ المرضِ إليهِ، والمرادُ: النَّهيُ عن الاعتقادِ أنَّ بعضَ الأَمراضِ تَنتقِلُ بسببِ العَدوَى؛ لأنَّ الأمرَ بقَضاء الله وقدَرِهِ، والحديثُ الثاني: لا يُورَد مُمرِضٌ على مُصحٍّ، أي: لا يُؤتَى بمريضٍ على صَحيحٍ سَليمٍ؛ مخافَةَ أن يُعديَه، يقول أبو سلَمَةَ: إنَّ أبا هُريرَة رضِيَ الله عنه كان يحدِّثهما كلتَيهما، أي: يُحدِّث بالحديثَينِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ ثمَّ صمَت أبو هُرَيرةَ بعدَ ذلكَ عن قولِه: لا عَدوى، أي: امتَنَع عن التَّحديثِ بهِ، وأقامَ على: ألَّا يُورَدَ مُمرضٌ على مُصحٍّ، أي: إنَّ أبا هُرَيرةَ صار يُحدِّثُ بهذا الحَديثِ فقَط، فقالَ الحارَثُ بنُ أبي ذُبابٍ لأبي هُرَيرَةَ- وهو ابنُ عمِّ أبي هُرَيرةَ-: قد كنتُ أسمَعُكَ يا أبا هُرَيرَةَ، تُحدِّثنا مع هذا الحَديثِ- أي: حَديثِ: لا يُورد مُمرَضٌ على مُصحٍّ- حَديثًا آخرَ- أي: حَديث: لا عَدوَى- قد سكتَّ عنه، أي: امتنعتَ عن التَّحْديثِ بهِ؟ فأبَى أبو هُرَيرةَ أن يَعرفَ ذلكَ، أي: امتنَعَ عن تَفسيرِ أو الإجابةِ عن سببِ امتناعِهِ عنِ التَّحْديثِ بحَديثِ: لا عدْوى، وقالَ: لا يُورَدُ مُمرضٌ على مُصحٍّ، أي: قالَ هذا فقطْ، فَمَاراهُ الحارِثُ في ذلكَ، أي: جادَلَ أبا هُرَيرةَ حتَّى غضِبَ أبو هُرَيرةَ فرطَنَ بالحبشيَّة، والرَّطانَة: التكلُّمُ بالعجميَّةِ، وقوله: (بالحبَشيَّةِ)، هي اللغَةُ التي رطَنَ بها، والمُرادُ: تكلَّمَ كلامًا لا يُفهَمُ لشدَّةِ غضبِه مِن جِدالِ الحارثِ له حَولَ الحَديثِ، فقالَ أبو هُرَيرةَ للحارِثِ: أتَدري ماذا قلتُ؟ قال الحارثُ: لا، قالَ أبو هُرَيرةَ: قلتُ: أبيتُ، يريدُ بذلك أنه لم يحدِّثْ بما يَقولُ الحارِثُ، ثمَّ أكَّدَ أبو سلَمةَ كلامَ الحارِثِ على أنَّ أبا هُرَيرةَ حدَّثَ بهذا الحَديثِ بقَولِه: ولعَمري، لقد كانَ أبو هُرَيرةَ يُحدِّثنا أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ: لا عَدْوى، ثمَّ عَزا أبو سلَمَةَ إنكارَ أَبي هُرَيرةَ تحَديثَه بحَديثِ: لا عدْوى، إلى النِّسيانِ أو نسْخِ الحَديثِ في قولِه: فلا أَدرِي، أنسِيَ أبُو هُرَيرَةَ، أو نسَخَ أحدُ القولينِ الآخَرَ؟ أي: نسَخَ حَديثُ: لا يُورَدُ مُمرضٌ على مُصحٍّ، حَديثَ: لا عَدْوى.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/23512