أشد حسرات العبد يوم القيامة

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}[مريم: 39] قال بعض السلف: ” يُعرض على ابن آدم -يوم القيامة- ساعات عمره، فكل ساعةٍ لم يذكر الله فيها تتقطع نفسه عليها حسرات”.[/box]

الشرح والإيضاح

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّه عقَّب تَحذيرَهم من عذابِ الآخرةِ، والنِّداءَ على سُوءِ ضَلالِهم في الدُّنيا، بالأمرِ بإنذارِهم؛ استِقصاءً في الإعذارِ لهم .
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ.
أي: وخوِّفِ النَّاسَ يومَ القيامةِ -يا مُحمَّدُ- يومَ يَندَمُ الظَّالِمونَ على تَفريطِهم في الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالحِ، وعلى ما فاتهم مِن الثَّوابِ، وعلى ما يُصيبُهم مِن العذابِ .
كما قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: 166- 167].
وقال سُبحانَه: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء: 46].
وقال عزَّ وجلَّ: وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [سبأ: 33].
وقال سُبحانه: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر: 56].
إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ.
أي: حينَ فُرغَ مِن الحسابِ والحُكمِ بينَ العبادِ، فيَدخُلُ المُؤمِنونَ الجنَّةَ، ويَدخُلُ الكافِرونَ النَّارَ، ويُذبَحُ الموتُ بين الفَريقَينِ .
عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يُؤتَى بالموتِ كهَيئةِ كَبشٍ أملَحَ، فيُنادي مُنادٍ: يا أهلَ الجنَّةِ، فيَشرَئِبُّونَ ويَنظُرونَ، فيقولُ: هل تَعرِفونَ هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموتُ، وكُلُّهم قد رآه، ثمَّ ينادي: يا أهلَ النَّارِ، فيَشرَئِبُّونَ ويَنظُرونَ، فيقولُ: وهل تَعرِفونَ هذا؟ فيقولونَ: نعم، هذا الموتُ، وكُلُّهم قد رآه، فيُذبَحُ، ثُمَّ يقولُ: يا أهلَ الجنَّةِ خُلودٌ فلا مَوتَ، ويا أهلَ النَّارِ خُلودٌ فلا موتَ، ثمَّ قرأ: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ، وهؤلاء في غَفلةِ أهلِ الدُّنيا وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِي الله عنهما، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا صار أهلُ الجنَّةِ إلى الجنَّةِ، وصار أهلُ النَّارِ إلى النَّارِ، أُتيَ بالموتِ حتى يُجعَلَ بين الجنَّةِ والنَّارِ، ثمَّ يُذبَحُ، ثم يُنادي مُنادٍ: يا أهلَ الجنَّةِ لا موتَ، ويا أهلَ النَّارِ لا موتَ، فيزدادُ أهلُ الجنَّةِ فَرَحًا إلى فَرَحِهم، ويزدادُ أهلُ النَّارِ حُزنًا إلى حُزنِهم)) .
وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ.
أي: والحالُ أنَّ الكافرينَ في الدُّنيا في غَفلةٍ وذُهولٍ عَمَّا أُنذِروا به، وعمَّا ينتَظِرُهم مِن العذابِ يومَ القيامةِ، فهم مُنشَغِلونَ بدُنياهم، مُعرِضونَ عَمَّا يُرادُ منهم .
كما قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ [الأنبياء: 1 – 3].
وقال سُبحانَه: وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء: 97].
وقال عزَّ وجلَّ: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق: 22].
وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
أي: وهم في الدُّنيا لا يُؤمِنونَ باللهِ، ولا بالبَعثِ والجَزاءِ في الآخرةِ
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/19/7