يسلم منك الروم والهند ولا يسلم منك أخوك المسلم؟!

قالَ سُفْيانُ بْنُ حُسَيْنٍ: ذَكَرْتُ رَجُلًا بِسُوءٍ عِنْدَ إياسِ بْنِ مُعاوِيَةَ؛ فَنَظَرَ فِي وجْهِي وقالَ:
أغَزَوْتَ الرُّومَ؟ قُلْتُ: لا! قال: السند والهِنْدَ والتُّرْكَ؟ قُلْتُ: لا.
قالَ: أفَسَلِمَ مِنكَ الرُّومُ والسِّنْدُ والهِنْدُ والتُّرْكُ ولَمْ يَسْلَمْ مِنكَ أخُوكَ المُسْلِمُ؟
قالَ: فَلَمْ أعُدْ بَعْدَها.
(البداية والنهاية: ٩/‏٣٣٦).

فوائد رائعة في تأليف القلوب

قال العلامة الصنعاني رحمه الله: انظر في حكمة الله ومحبَّته لاجتماع القلوب؛ كيف حرَّم النميمة -وهي صدقٌ-، لما فيها من إفساد القلوب، وتوليد العداوة والوحشةِ. وأباح الكذب -وإن كان حرامًا- إذا كان لجمعِ القلوب، وجلب المودة، وإذهاب العداوة.

خطورة النمام

قال ابن حزم: «من جاء إليك بباطل رجع من عندك بحقّ، وذلك أن مَن نقل إليك كذبًا عن إنسان حرّك طبعك فأجبته فرجع عنك بحقّ، فتحفّظ من هذا، ولا تُجِبْ إلا عن كلامٍ صحَّ عندك عن قائله»
إن خطورة النمام تكمن في أنه يصعب الاحتراز منه؛ لأنه يأتي غالبًا في صورة الناصِح المشفِق، فإنْ صدَّقته تحقق حينئذ ما يريده النمام من الإفساد.

الواجب على من نقلت له نميمة أو غيبة

قال ابن حزم رحمه الله:
«كل من حُملت إليه نميمة، وقيل له: قال فيك فلان: كذا وكذا؛ لزمه ستة أحوال:
الأول: ألّا يصدَقه لأنه نمّام فاسق وهو مردود الخبر.
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله.
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، فإنه بغيض عند الله، والبغض في الله واجب.
الرابع: ألّا يظنّ في المنقول عنه السوء.
الخامس: ألّا يحمله ما حُكِيَ له على التجسُّس والبحث عن تحقق ذلك.
السادس: ألّا يرضى لنفسه ما نهى النمّام عنه، فلا يحكي نميمته.

النميمة من الكبائر وهي حرام بإجماع المسلمين

“مرَّ رسولُ اللَّهِ ﷺ بقبرينِ فقال: إنَّهما ليعذَّبانِ وما يعذَّبانِ في كبيرٍ، أمّا أحدُهُما فَكانَ لا يستبرئُ من بولِهِ، وأمّا الآخرُ فَكانَ يمشي بالنَّميمةِ” صحيح النسائي: ٢٠٦٧.
قال الذهبي رحمه الله:
«النميمة من الكبائر، وهي حرامٌ بإجماع المسلمين، وقد تظاهرت على تحريمها الدلائل الشرعية من الكتاب والسنة، وقد أجاب عما يُوهم أنها من الصغائر، وهي قوله ﷺ: «وما يُعَذَّبانِ فِي كَبِيرٍ»، بأن المراد ليس بكبير تَرْكه عليهما، أو ليس بكبير في زعمهما، ولهذا قيل في رواية أخرى: «بَلى إنَّهُ كَبِيرٌ». الكبائر: ص١٦٠.

كيف يتوب المغتاب؟

قال ابن كثير رحمه الله:
«قال الجمهور من العلماء: طريقُ المغتاب في توبته أن يُقْلِع عن ذلك، ويعزم على ألا يعود، وأن يتحلّل مِن الذي اغتابه، وقال آخرون: لا يشترط أن يتحلّله، فإنه إذا أعلمه بذلك ربَّما تأذَّى أشد مِمَّا إذا لم يعلم بما كان منه، فطريقه إذًا أن يُثْنِي عليه بما فيه في المجالس التي كان يذمّه فيها، وأن يَرُدّ عنه الغيبة بحسبه وطاقته، فتكون تلك بتلك»

ورع الإمام البخاري في الجرح والتعديل

قال الإمام البخاري -رحمه الله-:
«أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبتُ أحدًا». قال الذهبي: «صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يُضعّفه؛ فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر، ونحو هذا، وقَلَّ أن يقول: فلان كذاب، أو: كان يضع الحديث، حتى إنه قال: إذا قلت: فلان في حديثه نظر؛ فهو مُتَّهم واهٍ، وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدًا، وهذا هو والله غاية الورع».

نفور الصحابة من الغيبة والمغتابين

قال الغزالي رحمه الله:
«كان الصحابة –رضي الله عنهم- يتلاقون بالبِشْر ولا يغتابون غائبًا، ويرون ذلك أفضل الأعمال، ويرون خلافه عادة المنافقين».

الواجب على من سمع غيبة مسلم

قال النووي رحمه الله:
«اعلم أنه ينبغي لمن سمع غيبة مسلم أن يردّها ويزجر قائلها، فإن لم ينزجر بالكلام زجَره بيده، فإن لم يستطع باليد، ولا باللسان، فارَق ذلك المجلس، فإن سمع غيبة شيخه أو غيره ممن له عليه حقّ، أو كان من أهل الفضل والصلاح، كان الاعتناء بما ذكرناه أكثر».

نصائح في معاملة الناس

قال أبِو الدَّرْداءِ، رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُ: “إنْ قارَضْتَ النّاسَ قارَضُوكَ، وإنْ تَرَكْتَهُمْ لَمْ يَتْرُكُوكَ»، قالَ: فَما تَأْمُرُنِي؟ قالَ: «أقْرِضْ مِن يَوْمِ عَرَضِكَ لِيَوْمِ فَقْرِكَ» حلية الأولياء ١/‏٢١٨
“إن قارضت الناس قارضوك”: إن طعنت عليهم، ونِلْتَ منهم بلسانك؛ فعلوا مثل ذلك بك.
“أقرض من عرضك ليوم فقرك”: أراد مَن شتمك منهم فلا تشتمه، ومَن ذكرَك بسوءٍ فلا تذكره، ودع ذلك قرضًا لك عليه ليوم الجزاء والقصاص.