العمل الصالح يدعم رجاء المؤمن في ربّه

طريق الرجاء والأمل في رحمة الله هو العمل الصالح.
{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218].
{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 5- 6].
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57].

المؤمن يخاف الله ويرجو رحمته ويجتهد في العمل

لتكن حياتك بين خوف من ربك، ورغبة ورجاء في رحمته، مع المسارعة في الخيرات.
{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
{أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر: 49- 50].
{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14].
{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [البقرة: 40].

هجرتان لا تنقطعان

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
وكما أن الإيمان فرض على كل أحد، ففرض عليه هجرتان في كل وقت:
هجرة إلى الله عز وجل بالتوحيد، والإخلاص، والإنابة، والتوكل، والخوف والرجاء، والمحبَّة، والتوبة.
وهجرة إلى رسوله بالمتابعة، والانقياد لأمره، والتصديق بخبره، وتقديم أمره وخبره على أمر غيره وخبره.

محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ‏”اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة والخوف والرجاء. وأقواها المحبة، وهي مقصودة تُرَاد لذاتها؛ لأنها تُرَاد في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة؛ قال الله تعالى: (أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) يونس: 62.

البواعث السبعة على التوبة

قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور: 31.
‏البواعث على التوبة سبعة: خوف العقاب، ورجاء الثواب، والخجل من الحساب، ومحبّة الحبيب، ومراقبة الرقيب القريب، وتعظيم بالمقام، وشكر الإنعام.

المؤمن بين الخوف والرجاء

لا بد للمؤمن أن يكون عنده خوف من الله ورجاء فيه، فما هو الخوف والرجاء؟ وما الدليل؟ ج- الخوف: هو الخوف من الله ومن عقابه. والرجاء: هو رجاء ثواب الله ومغفرته ورحمته. الدليل قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ الإسراء: 57.
وقال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾ الحجر: 49، 50.

نظرة المنيبين لأهل الغفلة والمعصية

قال ابن القيم رحمه الله: “من علامات الإنابة: ترك الاستهانة بأهل الغفلة، والخوف عليهم، مع فتحك باب الرجاء لنفسك، فترجو لنفسك الرحمة، وتخشى على أهل الغفلة النقمة. ولكن ارجُ لهم الرحمة، واخشَ على نفسك النقمة، فإن كان لا بد مستهينًا بهم ماقتًا لهم: فكن لنفسك أشد مقتًا منك لهم، وكن أرجى لهم لرحمة الله منك لنفسك”

مثال رائع لمعاملة النفس بالخوف والرجاء

قال السفاريني -رحمه الله-: “”مثالُ الخوف والرجاء، كالحرارة والبرودة، فمَنْ غلَبَ عليه أحدُهما تداوى بالآخر، حتى يرجعَ إلى حدِّ الاعتدال…”” (الذخائر شرح منظومة الكبائر ص257).

‏المؤمن بين الخوف والرجاء مع حسن العمل

قال ابن رجب رحمه الله:
“”كان السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ويخافون من رده””.
[لطائف المعارف: ص232]

المؤمن يطيع الله وهو مشفق، والفاجر يعصي وهو آمن

قال الله تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [سورة الأعراف: 99]
قال الحسن البصري -رحمه الله-: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مُشْفِقٌ، وَجِلٌ، خَائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمِن. [تفسير ابن كثير:٢/٢٢٤]

من آيات التخويف البليغ في القرآن الكريم

قال الله تعالى: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [سورة الأعراف: 99]
وهذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ، على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنًا على ما معه من الإيمان. بل لا يزال خائفًا وَجِلا أن يُبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعيًا بقوله: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وأن يعمل ويسعى، في كل سبب يخلصه من الشر، عند وقوع الفتن، فإن العبد – ولو بلغت به الحال ما بلغت – فليس على يقين من السلامة””. [تفسير السعدي: ص٢٩٨].

المؤمن يجمع بين العمل الصالح ورجاء القبول

عن وهيب بن الورد أنه قرأ: {وَإِذ يَرفَعُ إِبراهيمُ القَواعِدَ مِنَ البَيتِ وَإِسماعيلُ رَبَّنا تَقَبَّل مِنّا} [البقرة: ١٢٧].
ثم بكى، وقال: يَا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ تَرْفَعُ قَوَائِمَ بَيْتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْتَ مُشْفِقٌ أَنْ لا يَقْبَلَ مِنْكَ””؟! (أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير 1236).