عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “كانَ النّاسُ إذا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جاؤُوا به إلى النبيِّ ﷺ، فَإِذا أَخَذَهُ رَسولُ اللهِ ﷺ، قالَ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا في ثَمَرِنا، وَبارِكْ لَنا في مَدِينَتِنا، وَبارِكْ لَنا في صاعِنا، وَبارِكْ لَنا في مُدِّنا، اللَّهُمَّ إنَّ إبْراهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وإنَّه دَعاكَ لِمَكَّةَ، وإنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بمِثْلِ ما دَعاكَ لِمَكَّةَ، وَمِثْلِهِ معهُ، قالَ: ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ له فيُعْطِيهِ ذلكَ الثَّمَرَ” صحيح مسلم ١٣٧٣
قال القرطبي: “وتخصيص النبي ﷺ بذلك الثمر أصغر وليدٍ يراه؛ لأنه أقل صبرًا ممن هو أكبر منه، وأكثر جزعًا، وأشد فرحًا. وهذا من حسن سياسته ﷺ ومعاملته للكبار والصِّغار. وقيل: إن ذلك من باب التفاؤل بنمو الصغير وزيادته، كنمو الثمرة وزيادتها. والله أعلم”
المفهم شرح صحيح مسلم 11/33
الشرح والإيضاح
في هَذا الحَديثِ: يَروي أَبو هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ الصَّحابةَ كانوا إِذا رَأوا أوَّلَ الثَّمرِ، وهيَ باكورةُ الثَّمرِ وأوَّلُ ما يُدرَكُ مِنه، أَتَوا به إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم هَديَّةً له صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فيَدعو بقَولِه:(اللَّهمَّ بارِكْ لَنا في ثَمرِنا)؛ أيِ: النَّماءِ والزِّيادةِ والبَقاءِ ثُمَّ يَدعو للمَدينةِ، فيَقولُ: (وبارِكْ لَنا في مَدينتِنا)، أي: في ذاتِها مِن جِهةِ سَعتِها وسَعةِ أَهلِها، وغيرِ ذلكَ، والمُرادُ بالبَركةِ ما يَشملُ الدُّنيويَّةَ والأُخرويَّةَ، ثُمَّ دعا لصاعِ المَدينةِ ومُدِّها، فَقال: (وبارِكْ لَنا في صاعِنا وَبارِكْ لَنا في مُدِّنا)، أي: بارِكْ لَنا في ما يُكالُ في صاعِنا وبارِكْ لَنا في ما يُكالُ في مُدِّنا، ثُمَّ دَعا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم للمَدينةِ كَما دَعا إِبراهيمُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لمكَّةَ، فَقال: (اللَّهمَّ إنَّ إِبراهيمَ عبدُك وخَليلُك ونَبيُّك، وإنِّي عَبدُك ونَبيُّك، وإنَّه دَعاك لمكَّةَ، يَعني دعاكَ بقَولِه: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]، وَإِنِّي أَدعوكَ للمَدينةِ، بمِثل ما دَعاكَ لمكَّةَ، وَمِثْلَه مَعه)؛ يَعني: بضِعفِ ما دَعا إِبراهيمُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فيَكونُ في المدينةِ ضِعْفَيِ البَركةِ في الثِّمارِ، ثُمَّ يُعطي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم تلكَ الثَّمرةَ الَّتي أَخذَها قَبلَ الدُّعاءِ إِلى أَصغرِ مَن يَحضُرُه منَ الوِلدانِ، ولعلَّه خصَّ بِهذا الصَّغيرَ؛ لكونِه أَرغبَ فيهِ، وأَكثرَ تَطلُّعًا إِليه، وحرصًا عليه.
وفي الحَديثِ: بيانُ ما كانَ عليهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم مِن مَكارمِ الأَخلاقِ، وكَمالِ الشَّفقةِ والرَّحمةِ، ومُلاطفةِ الكِبارِ والصِّغارِ .
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/21127