وما بكم من نعمة فمن الله

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: صلَّى لَنا رَسولُ اللهِ ﷺ صَلاةَ الصُّبحِ بِالحُديبيَةِ، عَلى إِثرِ سَماءٍ كانَت منَ اللَّيلةِ، فَلمَّا انصرَفَ النَّبيُّ ﷺ أَقبلَ عَلى النَّاسِ، فَقال: هَل تَدرونَ ماذا قالَ ربُّكم؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه أَعلَمُ، قال: أَصبَح مِن عِبادي مُؤمنٌ بي وَكافرٌ، فأمَّا مَن قال: مُطِرْنا بِفَضلِ اللهِ ورَحمَتِه، فذَلك مُؤمنٌ بي، كافرٌ بِالكَواكبِ، وأمَّا مَن قال: بِنَوءِ كَذا وَكذا، فذَلكَ كافرٌ بي، مُؤمنٌ بِالكَواكبِ”. (صحيح البخاري ١٠٣٨).[/box]

الشرح والإيضاح

كان الناسُ في الجاهليَّةِ يَعتقِدون أنَّ النُّجومَ سَببٌ في نُزولِ المطرِ حقيقةً، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حريصًا على إخراجِ أُمَّتِه مِن الجاهليَّةِ بكُلِّ ما فيها مِن شُرورٍ وآثامِ شركٍ، إلى الإسلامِ وشَرائعِه، وما فيه مِن خَيرٍ وتَوحيدٍ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي زَيدُ بنُ خالِدٍ الجُهَنيُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صلَّى صَلاةَ الصُّبحِ بالحُدَيْبيَةِ -وهي قَريةٌ قَريبةٌ مِن مَكَّةَ، سُمِّيَت الحُدَيْبيَةَ باسمِ بِئرٍ فيها- على أَثَرِ سَماءٍ كانَت مِن اللَّيلِ، أي: صلَّى صَلاةَ الصُّبحِ في الحُدَيْبيَةِ بعْدَ مَطَرٍ نَزَل في تِلك اللَّيلةِ، فلمَّا سلَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وانتهَى مِن صَلاتِه، أقبَلَ على النَّاس بوجْهِه الشَّريفِ، فسَألَهم: هل تَدْرونَ ماذا قال ربُّكم عزَّ وجلَّ؟ فأجابوه: اللهُ ورَسولُه أعلَمُ، وهذا حُسنُ أدَبٍ مِن الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم في تَسليمِ الأمرِ للهِ عزَّ وجَلَّ، ولرسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: قال اللهُ تعالى: أصبَحَ مِن عِبادي مُؤمِنٌ بي وكافِرٌ، والمعنى: أصبَحَ النَّاسُ بالنِّسبةِ إلى نُزولِ الأمطارِ على قِسمَينِ: قِسمٍ مؤمِنٍ باللهِ تعالى لا يُشرِكُ به شَيئًا، وقِسمٍ كافِرٍ بوَحدانيَّةِ اللهِ تعالى.
فأمَّا مَن قال: مُطِرْنا بفَضلِ اللهِ ورَحمتِه، فأسنَدَ إنزالَ الأمطارِ حقيقةً إلى اللهِ تعالى؛ فذلِك مُؤمِن بوحدانيَّةِ الله، وكافِرٌ بالكَوكِبِ.
وأمَّا مَن قال: مُطرِنا بنَوْءِ كذا وكذا -والنوءُ مَنزِلُ القَمرِ- فذلِك كافِرٌ باللهِ، مؤمِنٌ بالكَوكَبِ، فمَن نسَبَ الأمطارَ وغيرَها مِن الحوادِثِ الأرضيَّةِ إلى تَحرُّكاتِ الكَواكِبِ في طُلوعِها وسُقوطِها مُعتقِدًا أنَّها الفاعِلُ الحقيقيُّ، فهو كافِرٌ مُشرِكٌ في تَوحيدِ الرُّبوبيَّةِ.
ولا يَدخُلُ في ذلك ما لو أرادَ القائلُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جَعَل النَّوْءَ علامةً لِلمَطرِ، ووَقْتًا له، وسببًا مِن أسبابِه، فهذا مؤمِنٌ لا كافرٌ، ويَلزَمُه مع هذا أنْ يَعلَمَ أنَّ نُزولَ الماءِ لِحِكْمةِ اللهِ تعالَى ورَحمتِه وقُدْرتِه، لا بِغَيرِ ذلك؛ لأنَّه مرَّةً يُنزِلُه بِالنَّوْءِ ومرَّةً بغَيرِ نَوْءٍ، كَيف يَشاءُ لا إلهَ إلَّا هو، والأحَبُّ لِكُلِّ مؤمِنٍ أن يَقولَ كما وجَّهَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مُطِرْنا بِفَضلِ اللهِ ورَحْمَتِه».
وفي الحديثِ: طَرحُ الإمامِ المَسألةَ على أصحابِه؛ تَنبيهًا لهُم أن يَتَأمَّلوا ما فيها مِن الدِّقَّةِ.
وفيه: استِدارةُ الإمامِ بوجْهِه للمأمومينَ بعْدَ الصَّلاةِ.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/2225