كيف عايش النبي ﷺ أصحابه وإخوانه؟

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال الله لنبيه ﷺ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} آل عمران: 159.
لعل المراد بهذه الرحمة ربطه سبحانه وتعالى على جأشه صلى الله تعالى عليه وسلم، وتخصيصه له بمكارم الأخلاق، وجعل الرفق ولين الجانب مسبباً عن ربط الجأش؛ لأن من ملك نفسه عند الغضب كان كامل الشجاعة. [الألوسي: ٤/١٠٥].[/box]

الشرح والإيضاح

(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159))
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
أي: بسببِ رحمةِ اللهِ تعالى لكَ ولأصحابِكَ- يا محمَّدُ- أَلَانَ قَلبَك لهم، فكنتَ سهلًا ورقيقًا في تعاملِك معهم .
قال تعالى: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128].
وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
أي: لو كنتَ- يا محمَّدُ- جافيًا سيِّئَ الخُلُق، قاسيَ القلبِ مع أَتْباعِك، لنفَروا منك وفارَقوك .
عن عَطاءِ بنِ يَسارٍ، قال: لقِيتُ عبدَ اللهِ بن عمرِو بنِ العَاصِ رضِيَ اللهُ عنهمَا: قلتُ: أخبِرنِي عن صفةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في التَّورَاةِ، قالَ: ((أَجَلْ، واللهِ إنَّهُ لموصوفٌ في التَّورَاةِ ببعضِ صِفَتِهِ في القرآنِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وحِرْزًا للأُمِّيِّينَ ، أنتَ عَبْدِي ورَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المُتوكِّلَ، ليسَ بِفَظٍّ ولا غَليظٍ، ولا سَخَّابٍ في الأسواقِ، ولا يَدْفَعُ بالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، ولكنْ يَعفُو ويغْفِرُ، ولنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حتَّى يُقِيمَ به المِلَّةَ العَوجاءَ، بأنْ يقولوا: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ويفْتَحُ بها أعيُنًا عُمْيًا، وآذَانًا صُمًّا، وقُلوبًا غُلْفًا)) .
فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ
أي: تَجاوَزْ عن أصحابِك- يا محمَّدُ- فيما أخطَؤوا أو قَصَّروا فيه من حقِّك، واطلبِ المغفرةَ لهم من اللهِ تعالى فيما أَخطؤوا أو قَصَّروا فيه من حقِّ الله عزَّ وجلَّ، واطلبْ رأيَهم فيما حزَبَك من الأمور العامَّةِ والمشتبِهة؛ وذلك تطييبًا لقلوبهم؛ ليكونوا لك أطوعَ، وفيما يُقدِمون عليه أنشَطَ، وليقتدوا بكَ في ذلك مِن بعدِك .
وقد أثنى اللهُ تعالى على المؤمنين بذلك فقال: فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم…الآيات [الشورى: 36- 43].
فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
أي: إذا صحَّ عزْمُك على أمرٍ من الأمورِ بعدَ استطلاعِ آراءِ أصحابِك فيه، فامْضِ فيه معتمِدًا على حولِ الله تعالى وقوَّتِه، واثقًا به فحسبُ؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يحبُّ اللَّاجئين إليه، والمعتمِدين في جميعِ أمورِهم عليهم

مصدر الشرح:
https://dorar.net/tafseer/3/47