فضل الإقامة في المدينة النبوية

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي ﷺ قال: «يأتي على الناس زمانٌ يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هَلُمَّ إلى الرخاء! هَلُمَّ إلى الرخاء! والمدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون» أخرجه البخاري ١٨٧٥، ومسلم ١٣٨٨.
قال ابن حجر -رحمه الله-: «والحال أن الإقامة في المدينة خيرٌ لهم؛ لأنها حَرَمُ الرسول ﷺ وجواره، ومَهْبط الوحي، ومنزل البركات، لو كانوا يعلمون ما في الإقامة بها من الفوائد الدينية بالعوائد الأخروية التي يُسْتَحْقَرُ دونها ما يجدونه من الحظوظ الغائبة العاجلة بسبب الإقامة في غيرها»

فتح الباري: ٤/ ٩٣.

الشرح و الإيضاح

في هَذا الحَديثِ يُخبرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم أنَّه يَأتي عَلى النَّاسِ زَمانٌ يَدْعو الرَّجلُ ابنَ عمِّه وقَريبَه: هَلُمَّ إلى الرَّخاءِ، يَعني: إِلى الخروجِ منَ المدينةِ، مُسرِعًا إلى الرَّخاءِ والأَمصارِ المُفتتحةِ، والمَدينةُ خيرٌ لَهم لَو كانوا يَعلمونَ، فالمَدينةُ خيرٌ لأُولئكَ التَّاركينَ لَها من تِلكَ البِلادِ الَّتي يَتركونَ المَدينةَ لأَجلِها.
ثُمَّ أَقْسمَ وأَخبرَ فقال: (والَّذي نَفسي بيدِه لا يَخرُجُ مِنهم أَحدٌ رغبةً عَنها)، فَلا يَدعُها ويَتركُها أَحدٌ ممَّن استوطَنَها رغبةً عَنهَا، أي: كراهةً لَها أو رَغبةً عَن ثَوابِ السَّاكنِ فيها، إلَّا أَخلفَ اللهُ سُبحانَه وتَعالى وأَبدلَ في المَدينةِ مَن هوَ خيرٌ منهُ بمَولودٍ يُولَدُ فِيها، أو بمُنتَقِلٍ يَنتقِلُ إليها مِن غَيرها؛ فإنَّ المَدينةَ كالكيرِ، تُخرِجُ الخَبيثَ.
وليس مِن ذلِك خُروجُ بَعضِ الصَّحابةِ والأخيارِ مِن المدينةِ؛ لأنَّهم لم يَخرُجوا كَراهةً لَها أو رَغبةً عَن ثَوابِ السَّاكنِ فيها، وإنَّما خَرجُوا لمصالِحَ شَرعيَّةٍ أُخرى محمودةٍ، كالغَزْوِ ونَشْر العِلم، وغير ذلك.
ثم قال: لا تَقومُ السَّاعةُ حتَّى تَنفيَ المدينةُ شَرارَها، كَما يَنفي الكِيرُ خَبثَ الحديدِ، والكِيرُ هوَ ما يَنفُخُ فيه الحَدَّادُ لاشتِعالِ النَّارِ للتَّصفيةِ، وخَبثُ الحَديدِ هوَ وَسخُه وقَذرُه الَّذي تُخرِجُه النَّارُ مِنها.
قيل: يَحتمِل أنْ يكونَ نَفيُ المدينةِ لشِرارِها مُختصًّا بزمَنِ الدَّجَال، ويَحتمِل أنْ يكونَ في أزمانٍ مُتفرِّقة.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/21046

تحميل التصميم