قال تعالى: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) البقرة: 232.
هذا خطاب لأولياء المرأة المطلقة دون الثلاث إذا خرجت من العدة، وأراد زوجها أن ينكحها، ورضيت بذلك، فلا يجوز لوليها، من أب وغيره؛ أن يعضلها؛ أي: يمنعها من التزوج به حنقًا عليه؛ وغضبًا؛ واشمئزازًا لما فعل من الطلاق الأول.
وذكر أن من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإيمانه يمنعه من العضل. فالله (يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فامتثلوا أمر من هو عالم بمصالحكم، مريد لها، قادر عليها، ميسّر لها من الوجه الذي تعرفون وغيره.
تفسير السعدي: ص103.
الشرح والإيضاح
(وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ).
أي: وإذا طلَّق الرِّجال نساءَهم طلاقًا يمكن إرجاع الواحدة منهن فيه- وذلك في التطليقة الواحدة، والتطليقتين- فقاربْت عِدَّتُها على الانقضاء، وأراد الزوج إرجاعها، ورضيتْ هي بذلك، فحينئذٍ لا يجوزُ لوليِّها- ما دام قد وقَع بينهما التراضي على المعاشرة الحَسَنة، من غير وقوع منكرٍ شرعًا وعُرفًا- أن يُضيِّق عليها بمَنْعها من التزوُّج به؛ غضبًا ونفورًا منه؛ لتطليقِه لها.
(ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ).
أي: إنَّ نهي الأولياءِ عن عَضْلهنَّ في تلك الحال، إنَّما يُوجَّه إلى مَن يَلين قلبه بالذِّكرى، ويخاف منزجرًا عن الوقوع في الحرام، وهم الذين يؤمنون بالله تعالى وبالدار الآخرة؛ لأنَّ الإيمان بهما يُحقِّقُ خشية الله تعالى، وخوف الحساب والجزاء، فهؤلاء هم الذين ينتفعون حقًّا بتلك الموعظة.
(ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ).
أي: اتِّباعُكم- يا أولياءَ النِّساءِ- شَرْعَ الله عزَّ وجلَّ في رَدِّهنَّ إلى أزواجهنَّ، وتَرْك عضلهنَّ، خيرٌ لكم وأفضلُ عند الله تعالى، وأطيبُ لنفوسكم، وأطهرُ لقلوبكم من الذُّنوب، ومن العداوات، ومن حصول الرِّيبة، وأطهرُ لعِرْضكم كذلك؛ لأنَّه إذا كان بين الزَّوجين حبٌّ ومودَّة، فقد يَتجاوزانِ ذلك إلى الوقوع في الحرام، وقد يَرتاب فيهما وليُّها وهُما بَريئانِ من ذلك.
(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
أي: فلا تستغربوا أنْ أمركم الله عزَّ وجلَّ بخلاف ما جرت به عادتُكم من عضلهنَّ، بل امتثلوا أمْر مَن هو عالِمٌ بمصالحكم وما فيه خيركم ونقاؤكم وطُهركم في الدُّنيا والآخِرة، وذلك في كل ما يأمركم به وينهاكم عنه، أمَّا أنتم- أيُّها العبادُ- فلا تعلمون أين الخِيَرة فيما تأتون وتتركون، إلَّا ما علَّمكم الله تعالى.
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/2/399