قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة: 247.
لا تستبعدوا تملكه عليكم لفقره وانحطاط نسبه عنكم؛ أما أولا: فلأن ملاك الأمر هو اصطفاء الله تعالى، وقد اصطفاه واختاره، وهو سبحانه أعلم بالمصالح لكم، وأما ثانيًا: فلأن العمدة وُفور العلم ليتمكن به من معرفة الأمور السياسية، وجسامة البدن ليكون أعظم خطرًا في القلوب، وأقوى على كفاح الأعداء ومكابدة الحروب.
تفسير الألوسي: ٢/١٦٧.
الشرح والإيضاح
(قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ).
أي: لَمَّا اعتقدوا رأيًا فاسدًا، وهو أنَّ الملْك يتطلَّب شرف النَّسَب، وكثرة المال، ولم يدركوا الصِّفات الأساسيَّة المقدَّمة على هذين، قال لهم نبيُّهم: إنَّ الله اختاره لكم، واختصَّه من بينكم، والله أعلم به منكم، ولستُ أنا مَن عيَّنه من تلقاءِ نفسي، بل الله تعالى هو الذي عيَّنه لي لَمَّا طلبتم ذلك، فلزِمكم الانقيادُ إليه، وهو مع هذا قد أعطاه الله تعالى زيادة في العلم، الذي يمنحه حنكةً وقدرةً على تدبير الأمور، وأعطاه طول القامة وقوة الجسد اللَّذيْنِ يمنحانِه هيبةً وشجاعة، فتوفَّرت لديه الأسباب الحقيقيَّة لاستحقاق الملْك دون غيره، فبهاتين القوَّتين: القوة المعنويَّة: قوة العلم والرأي، والقوة الحسيَّة: قوة الجسد، تتمُّ أمور الملك وسياسة الرعية، وتكثر أموال المملكة، ويحصُل النصر على الأعداء، بإذن الله تعالى.
(وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
أي: إنَّ المُلك لله تعالى وحده، وبيده دون غيره، يُؤتيه مَن يشاءُ بحسَب ما تقتضيه حِكمتُه، فيخصه به، فلا تستنكروا يا معشرَ الملأِ من بني إسرائيل أن يبعث الله طالوت ملكًا عليكم، وإنْ لم يكُن من أهل بيت المُلْك؛ فإنَّ المُلْك ليس بميراث عن الآباء والأجداد، ولكنَّه بإيتاءِ الله وحده، فلا تتخيَّروا على الله تعالى، فهو الحاكم الذي ما شاء فعل، ولا يُسأل عمَّا يفعل وهم يُسألون.
والله تعالى ذو سَعةٍ في جميع صفاته؛ ومن ذلك أنَّه واسعٌ في عِلمه، وواسعٌ في فضله، وكرمه؛ ومِن سَعة فضله أنَّه لا يخصُّ بكرمه شريفًا عن وضيع، أو غنيًّا عن فقير، وأنَّه يُنعم بالملْك حتى على مَن لم يكُن من بيت مُلك، وهو سبحانه واسع العلم، عليم بكلِّ شيء؛ ومِن ذلك علمه بمن يصلح للملْك من غيره.
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/2/41