الدعاء والافتقار إلى الله من أهم مفاتيح الرزق

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال ‎شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ينبغي للمهتم بأمر الرزق أن يلجأ فيه إلى الله ويدعوه؛ كما قال سبحانه فيما يؤثر عنه نبيه: ” كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ”(صحيح مسلم).
[مجموع الفتاوى 10/ 662 ][/box]

الشرح والإيضاح

يَحكي أبو ذَرٍّ رضِي اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم روى عَنِ اللهِ تبارك وتعالى أنَّه قال: يَا عِبادِي إنِّي حرَّمْتُ، أي: منعْتُ الظُّلمَ على نَفْسِي، أي: تَقدَّسْتُ عنه وتعالَيْتُ، فهو في حقِّي مستحيلٌ، وجعلْتُه بينَكم مُحَرَّمًا، أي: حكَمْتُ بِتَحريمِه فيما بينَكم فإذا عَلمتُم ذلك فلا تَظَّالَمُوا، أي: لا يَظلِمْ بعضُكم بعضًا، يا عبادي، كلُّكم ضَالٌّ إلَّا مَن هديْتُه، يعني: إنَّ الهدايةَ لِمَنْ حصَلتْ إنَّما هي مِن عندِ اللهِ لا مِن عندِ نفْسِه، وكذلكَ الطَّعامُ والكسوةُ لِمَنْ حَصَلَ، فإنَّما هو مِن عندِ اللهِ لا مِن عندِ نفْسِه، وهذا يَقتضِي أنَّ جميعَ الخلقِ مُفْتقِرونَ إلى اللهِ تعالى في جلْبِ مَصالِحهم ودفْعِ مَضارِّهم في أُمورِ دِينِهم ودُنياهم، وأنَّ العِبادَ لا يملكونَ لِأنفُسِهم شيئًا مِن ذلك كلِّه، وأنَّ مَن لم يَتفضَّلِ اللهُ عليه بِالهَدى والرِّزقِ؛ فإنَّهُ يُحرمُهما في الدُّنيا، يا عِبادي، كلُّكم ضَالٌّ إلَّا مَن هديْتُه، فَاستهدُوني أُهدِكم، أي: سَلوني الهدَى واطلُبوه مِنِّي أُوفِّقكم لِلهدايةِ، يا عبادي كلُّكم جائعٌ إلَّا مَن أطعَمْتُه؛ وذلك لأنَّ النَّاسَ عَبيدٌ لا يَملكونَ شيئًا، وخَزائنُ الرِّزقِ بِيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ فَمَنْ لا يُطعِمُه بِفضلِه بَقيَ جائعًا، فَاستطعِمُوني، أي: اطلُبوا الطَّعامَ وتَيْسيرَ القُوتِ مِنِّي، أُطعِمكم، أي: أُيَسِّر لكم أسبابَ تحصيلِه، يا عبادي كلُّكم عارٍ إلَّا مَن كسوتُه فَاستكْسوني، أي: اطْلُبوا مِنِّي الكسوةَ أَكسُكم، أي: أُيسِّرُ لكم سَتْرَ عوْرَاتِكم وأُزيلُ عنْكم مَساوئَ كشْفِ سَوءاتِكم، يا عبادي إنَّكم تُخطِئون، أي: تُذنِبونَ بِاللَّيلِ والنَّهارِ وأنا أغفرُ الذُّنوبَ جميعًا، فَاستغْفِروني، أي: اطْلُبوا مِنِّي المغفرةَ أَغْفِر لكم، يا عِبادِي، إنَّكم لَن تبلُغوا ضُرِّي فَتَضرُّوني ولَن تَبلغوا نَفْعِي فَتَنفَعُوني، يعني: أنَّ العبادَ لا يَقدِرونَ أنْ يُوصِّلُوا إلى اللهِ نَفعًا ولا ضُرًّا؛ فإنَّ اللهَ تعالى في نفْسِه غنِيٌّ حميدٌ لا حاجةَ له بِطاعاتِ العبادِ ولا يعودُ نفعُها إليه، وإنَّما هم يَنتفعونَ بها ولا يَتضرَّرُ بِمعاصِيهم، وإنَّما هم يَتضرَّرونَ بها، يا عِبادي لو أنَّ أوَّلَكم، أي: مِنَ الموجودِينَ وآخِرَكم مِمَّنْ سَيُوجدُ، وَقِيل: مِنَ الأمواتِ والأحياءِ، والمرادُ جميعُكم، وإِنْسُكم وجِنُّكم كانوا على أَتقَى قَلْبِ رجلٍ منكم، أي: لو كنتم على غايةِ التَّقوى بأنْ تكونوا جميعًا على تَقوى أَتْقى قلْبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في مُلْكي شيئًا، يا عِبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أَفْجَرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما نَقصَ ذلك، أي: مما ذُكِرَ مِن مُلكِي شيئًا، يا عبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخِرَكم، وإِنْسَكم وجِنَّكم قاموا، أي: وَقَفُوا في صعيدٍ واحدٍ، أي: في أرضٍ واحدةٍ ومُقامٍ واحدٍ فَسألُوني، أي: كلُّهم أجمعونَ، فَأعطَيْتُ كلَّ إنسانٍ وكذا كلُّ جِنِّيٍّ مسألَتَه، أي: في آنٍ واحدٍ ومكانٍ واحدٍ ما نَقصَ ذلك، أي: الإعطاءُ مِمَّا عندي إلَّا كما يَنقُصُ، أي: كَالنَّقصِ أو كَالشَّيْءِ الَّذي يَنقصُه الْمِخْيَطُ هو ما يُخاطُ به الثَّوبُ كَالإبرةِ ونحوِها، إذا أُدخِلَ البحرَ؛ فإنَّ البحرَ إذا غُمِسَ فيه إبرةٌ، ثُمَّ أُخرجَتْ لم يَنقُصْ مِنَ البحرِ بِذلك شيءٌ، يا عبادي، إنَّما هي أعمالُكم أُحصِيها، أي: أَحفظُها وأَكتُبُها عليكم، ثُمَّ أُوفِّيكُم إيَّاها وهي إعطاءُ الحقِّ عَلى التَّمامِ، أي: أُعطيكم جزاءَ أعمالِكم يومَ القيامةِ وافيًا تامًّا إنْ خيرًا فَخيرٌ وإنْ شرًّا فَشَرٌّ فمَنْ وَجدَ خيرًا، أي: تَوفِيقَ خَيرٍ مِن ربِّه وعمَلَ خَيرٍ مِن نفْسِه فَلْيحمدِ اللهَ، أي: على تَوفيقِه إيَّاه لِلخيرِ؛ لأنَّه الهاديَ، ومَن وَجدَ غيرَ ذلك، أي: شرًّا ولم يصرِّحْ به؛ تحقيرًا له وتنفيرًا عنه فلا يَلومَنَّ إلَّا نفْسَه؛ لأنَّه صدَرَ مِن نفْسِه أو لأنَّه باقٍ على ضلالِه.
في الحديثِ: قُبحُ الظُّلمِ وأنَّ جميعَ الخلقِ مُفتقِرُون إلى اللهِ تعالى في جلْبِ مصالِحِهم، ودفْعِ مضارِّهم في أمورِ دِينِهم ودُنياهم.
وفيه: أنَّ اللهَ تعالى يُحبُّ أنْ يسألَه العبادُ ويَستغفِرُوه.
وفيه: أنَّ مُلكَه عزَّ وجلَّ لا يَزيدُ بِطاعةِ الخلْقِ ولا يَنقصُ بِمعصيَتِهم.
وفيه: أنَّ خَزائنَه لا تنفذُ ولا تنقصُ.
وفيه: أنَّ ما أصابَ العبدَ مِن خيرٍ فَمِن فضْلِ اللهِ تعالى، وما أصابَه مِن شرٍّ فَمنْ نفسِه وهَوَاه.
وفيه: حثُّ الخلقِ على سؤالِه وإنزالِ حوائجِهم به.
وفيه: ذكْرُ كمالِ قُدرتِه تعالى وكمالِ مُلكِه
مصدر الشرح:https://dorar.net/hadith/sharh/16716