ملخص المقال: مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت بعض التصرفات التي تنافي تعظيم الله، وربما يدفع إليها حُسن النية، والرغبة في نشر الخير. دعونا نتعرف على بعض هذه التصرفات..
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ظهرت بعض الصور والتصرفات التي تنافي تعظيم الله –تبارك وتعالى-، وهي أعمال ربما يدفع إليها حُسن النية، والرغبة في نشر الخير، وحب المساهمة في الدعوة إلى الله تعالى. ولكن، النية الطيبة لا تصلح العمل الفاسد، وللوسائل أحكام المقاصد؛ كما قال علماؤنا الكرام.
وإن الاستفادة من الوسائل الحديثة كالهاتف المحمول والبريد الإلكتروني، وصفحات التواصل الاجتماعي في نقل النصيحة والموعظة، والتذكير والتوجيه، عملٌ نافع، وأمر مثمر؛ إذ يمكن إيصال ذلك لمئات أو آلاف من الناس بضغطة زر واحد، ومعلوم أن الدالَّ على الخير كفاعله، وأن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من عمل بهذا الخير، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا” [أخرجه مسلم: 2674].
فإذا قام المسلم بكتابة نصيحة أو تذكير بصيام أو صلاة أو أذكار وغيرها من فضائل الأعمال، وأرسلها إلى المشتركين معه في صفحته أو موقعه، أو هاتفه، فعمل بعض منهم بنصيحته، كان له في ذلك أجرٌ عظيم له، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ” [أخرجه مسلم: 1893].
ومن أجل ذلك ينبغي اغتنام هذه الوسائل الإلكترونية الحديثة، والبحث في أفضل سبل الاستفادة منها، والارتقاء بالكلمة والنصيحة التي تُرسَل من خلالها؛ ليكمل تأثيرها ويتم نفعها، وينفع الله بها المسلمين.
ومن أبرز الأخطاء التي يقع فيها بعضهم:
1- كثرة الإقسام بالله على المتابعين والأصدقاء لنشر صورة أو حديث أو موعظة أو قصة، وهذا العمل وإن كان دافعه الرغبة في الخير كما قلنا، إلا أنه لا يجوز الإقسام على الآخرين ووضعهم في شدة وحرج شرعي وإلزامهم بما لا يجب عليهم، وقد ورد في الشره الزجر عن كثرة الحلف فقد قَالَ النبي –صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر الصديق: “لَا تُقْسِمْ” [صحيح البخاري 6639]، وفي حديث للاستئناس بمعنى تعظيم الحلف فقط، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ دِيكٍ قَدْ مَرَقَتْ رِجْلاهُ الأَرْضَ، وعُنُقُهُ مُنْثَنِي تَحْتَ الْعَرْشِ، وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ مَا أَعْظَمَكَ رَبَّنَا ! فَرَدَّ عَلَيْهِ: مَا يَعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ حَلَفَ بِي كَاذِبًا” [مستدرك الحاكم 7813 وصححه ووافقه الذهبي].
فمن تعظيم الله –تبارك وتعالى- قلة الحلف بالله تعالى، وعدم القسم على الصغير والكبير، قال الله تعالى: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) [القلم: 10].
فلا داعي أبدًا لقول بعضهم في آخر منشوره يخاطب من تصله رسالته: ((والله سأنشر هذا المقطع.. تذكر أنك حلفت))!
2- ومما يُؤسَف له أن بعض الناس خلط هذا العمل الصالح بآخر سيئ، وهو الوقوع في نوع الدجل والباطل، كقوله: ((إذا أرسلتها سوف تسمع خبرًا سعيدًا))!!، وهذا ضرب من الكهانة والدَّجَل، فليس هناك دليل شرعي على أن مَن تلقى النصيحة وأرسلها لغيره أنه سيسمع خبرًا سعيدًا، بل قد يسمع خبرًا سيئًا، أو سعيدًا، أو لا يسمع شيئًا، فهذا عمل فيه رجم بالغيب ولا يجوز.
3- وبعضهم يقول ((المسلم ينشر، والكافر يطنش)) وهذا جرم عظيم، فليس لدى كل مسلم استطاعة للنشر، ربما يضيق وقته، أو اتصاله بالإنترنت ضعيف لا يساعده على التحميل والإرسال، وربما مشغول، وهو أمر غير واجب عليه، فكيف نلزم الآخرين بما لم يلزمهم به دينهم؟!
4- وبعضهم يقول: ((حمَّلتك هذه الأمانة أن ترسلها وتنشرها، أو أنك ستأثم إن لم تفعل ذلك، أو من لم ينشرها سيحصل له كذا وكذا)) أو يقول له: ((الشيطان سيمنعك من نشر كذا… إذا كنت تحب الله فانشر كذا))، فهذا كله باطل لا أصل له، فالمرسَل له لم يتحمل شيئًا، وليس هناك ما يلزمه بالنشر، ولا يأثم إن تركه، ولا وجه لتأثيم أحد بغير موجِبٍ من الشرع، كما أنه لا وجه للإخبار بالغيب المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله.
وإن ترتيب الثواب والعقاب على عمل من الأعمال إنما مردّه إلى الله تعالى، فالحلال ما أحله، والحرام ما حرمه، والثواب والعقاب من عنده، ومن قال في ذلك شيئًا بغير برهان منه فقد افترى، وقد قال سبحانه: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
وقد ظن هؤلاء أنهم بهذا يحملون الناس على نشر الخير، عن طريق ترغيبهم وترهيبهم، لكنهم أخطأوا وتجاوزوا، وكان عليهم أن يقتصروا على ما ورد به الشرع، وفيه الغنية ولله الحمد، كقولهم: إن من نشر هذا الخير، يرجى له مثل أجر جميع من عمل به، وكفى بذلك محفّزا ومشجعا على النشر.
5- وأحيانًا يكون الحديث المحلوف بالله على وجوب نشره قد يكون ضعيفًا، أو موضوعًا، وهذا يحرم نشره إلا مع بيان درجته، وإلا وقع المسلم في الكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، ومن فعل هذا فهو متوعَّد بعذاب شديد، فقد قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: “إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ؛ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ” [صحيح البخاري 1229، ومسلم 933].
وهذا مما يبين أهمية العلم بما ينشر قبل نشره والتثبت منه، فإن غالب من يقع في هذا إنما يقع فيه لجهله، كحال من كان يضع الأحاديث ويفتريها على النبي صلى الله عليه وسلم، بحجة نشر الخير وترغيب الناس فيه، فيقع في الكذب المتوعَّد صاحبه بالوعيد الشديد، لتحصيل الأجر والثواب فيما يظن!
فلا يجوز نشر الضعيف ولا الموضوع، ومن حسنت نيته، ورغب في نشر الخير والدعوة إلى الله فليتخير الصحيح، والحسن من الأحاديث والآثار، وليحذر أن يكون ناشرًا للكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” يوجد الآن أحيانًا منشورات تتضمن أحاديث ضعيفة وقصصًا لا أصل لها، ثم تنشر بين العامة، وإني أقول لمن نشرها أو أعان على نشرها إنه آثمٌ بذلك، حيث يُضلّ عن سبيل الله، يضل عباد الله بهذه الأحاديث المكذوبة الموضوعة، أحيانًا يكون الحديث موضوعًا ليس ضعيفًا فقط، ثم تجد بعض الجهال يريدون الخير، فيظنون أن نشر هذا من الأشياء التي تحذر الناس وتخوفهم مما جاء فيه من التحذير أو التخويف، وهو لا يدري أن الأمر خطير، وأن تخويف الناس بما لا أصل له حرام ؛ لأنه من الترويع بلا حق، أو يكون فيه الترغيب في شيء وهو لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل هو موضوع، هذا أيضاً محرم ؛ لأن الناس يعتقدون أن هذا ثابت، فيحتسبونه على الله عز وجل، وهو ليس كذلك، فليحذر هؤلاء الذين ينشرون هذه المنشورات من أن يكونوا ممن افتروا على الله كذباً ليضلوا الناس بغير علم، وليعلموا أن الله لا يهدي القوم الظالمين، وأن هذا ظلمٌ منهم أن ينشروا لعباد الله ما لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ” [فتاوى نور على الدرب 2/ 279].
وينبغي لمن وصله شيء من ذلك الباطل، أن ينصح لصاحبه، وأن يبين له وجوب الانتهاء عن مثل هذه المحفّزات الباطلة، وألا يصدّق بما جاء في الرسالة من أنه إن نشر سيحصل له كذا، وإن لم ينشر سيحصل له كذا؛ لأنه نوع من الكذب كما سبق .
قصة وعبرة:
قال محمد بن الصلت: “سمعت بشر بن الحارث وسُئل ما بال اسمك بين الناس كأنه اسم نبي؟ قال: هذا من فضل الله وما أقول لكم، كنت رجلاً عياراً صاحب عصبة فجزت يوماً فإذا أنا بقرطاس في الطريق فرفعته فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) فمسحته وجعلته في جيبي، وكان عندي درهمان ما كنت أملك غيرهما، فذهبت إلى العطارين فاشتريت بهما غالية (نوعًا من الطيب) ومسحته في القرطاس، فنمت تلك الليلة، فرأيت في المنام كأن قائلاً يقول لي: يا بشر بن الحارث! رفعت اسمنا عن الطريق، وطيبته؛ لأطيبنَّ اسمك في الدنيا والآخرة، ثم كان ما كان” [أخرجه أبو نعيم في الحلية 8/ 336].
نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال، ويصرف عنا سيئها؛ إنه جواد كريم.