هو الله الواحد القهار.. فلا يستخفنك الذين لا يوقنون

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال الله تعالى: { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد: ١٦].[/box]

الشرح والإيضاح

(قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبلَها:
لما ذكَر الله تعالى أنَّ المخلوقاتِ كلَّها تسجدُ له طوعًا وكرهًا؛ لذا كان هو الإلهَ حقًّا، المعبودَ المحمودَ حقًّا، وكانت إلهيةُ غيرِه باطلةً، ولهذا ذكَر بطلانَها، وبرْهَن عليه .
وأيضًا فإنَّه لَمَّا نهَضَت الأدِلَّةُ الصَّريحةُ بمظاهِرِ الموجوداتِ المتنَوِّعةِ على انفرادِه بالإلهيَّةِ، مِن قَولِه تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا [الرعد: 2]، وقَولِه: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ [الرعد: 3]، وقولِه: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى [الرعد: 8]، وقولِه: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ [الرعد: 12] الآيات، وبما فيها مِن دَلالةٍ رَمزيَّةٍ دَقيقةٍ، مِن قَولِه تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ [الرعد: 14]، وقَولِه: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ [الرعد: 15]، إلى آخِرِها- لا جرَمَ تهيَّأَ المَقامُ لتَقريرِ المُشرِكينَ تقريرًا لا يجِدونَ معه عن الإقرارِ مَندوحةً، ثمَّ لتَقريعِهم على الإشراكِ تَقريعًا لا يسَعُهم إلَّا تجَرُّعُ مَرارتِه؛ لذلك استؤنِفَ الكلامُ وافتُتِحَ بالأمرِ بالقَولِ؛ تنويهًا بوضوحِ الحُجَّة ،، فقال تعالى:
قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ.
أي: قُل- يا مُحمَّدُ- لِمُشركي قَومِك: مَن خالِقُ السَّمواتِ والأرضِ ومالِكُهما ومُدَبِّرُهما؟ قُل: ربُّها الذي خلَقَها وأوجَدَها هو اللهُ المُستَحِقُّ للعبادةِ وَحدَه دونَ غَيرِه .
قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا.
أي: قُل- يا محمَّدُ- لِمُشركي قَومِك: أفاتَّخَذتُم مِن دونِ اللهِ آلهةً لا تملِكُ أن تجلِبَ لأنفُسِها نفعًا، ولا أن تدفَعَ عن أنفُسِها ضَرًّا، فضلًا عن غَيرِها، فتَعبُدونَها وتترُكونَ عِبادةَ اللهِ الذي بِيَدِه وحدَه النَّفعُ والضَّرُّ؟!
كما قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [يونس: 18].
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ.
أي: قُلْ- يا محمَّدُ- للمُشرِكينَ مِن قَومِك: هل يَستوي الأعمى الذي لا يُبصِرُ شَيئًا، والبَصيرُ الذي يُبصِرُ؟ لا شَكَّ أنَّهما لا يستويانِ، فكذلك لا يستوي الموَحِّدُ لله، والمُشرِكُ به (15) .
أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ.
أي: وهل تستوي الظُّلُماتُ التي لا يُرى فيها شيءٌ، والنُّورُ الذي تُرى فيه الأشياءُ بوُضوحٍ؟ لا شَكَّ أنَّهما لا يستويانِ؛ فكذلك لا يستوي الشِّركُ والإيمانُ .
أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ.
أي: أجَعَلوا لله شُرَكاءَ يَعبُدونَهم مع اللهِ؛ خَلَقوا مثلَ خَلقِ اللهِ- تعالى وتقَدَّسَ-، فتَشابهَ خَلقُ الشُّركاءِ بخَلقِ اللهِ عِندَهم، فجَعَلوها شُرَكاءَ لله بسبَبِ ذلك؟! أي: ليس الأمرُ كذلك، فلا عُذرَ للمُشرِكينَ في عبادتِها، وهم مُعتَرِفونَ بأنَّها لا تخلُقُ شيئًا .
كما قال تعالى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [لقمان: 11].
قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.
أي: قُل- يا محمَّدُ- للمُشرِكينَ: اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ، وقد خلَقَكم وخلَقَ آلهَتَكم، فكيف تعبُدونَها مع اللهِ، وهو المستحِقُّ للعبادةِ وَحدَه ؟!
كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21].
وقال تعالى: أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الأعراف: 191].
وقال سُبحانه: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل: 20، 21].
وقال عزَّ وجلَّ حاكيًا قولَ إبراهيمَ- عليه السَّلامُ- لِقَومِه: قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 95- 96].
وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ.
أي: واللهُ هو الواحِدُ الذي لا ثانيَ له، الغالِبُ لجميعِ خَلقِه، المستحِقُّ للعبادةِ وَحدَه دون ما سواه .
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/13/5