مراتب دعوة أهل الكتاب إلى الإسلام

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْيَمَنِ، قَالَ: إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللهِ، فَإِذَا عَرَفُوا اللهَ، فَأَخْبِرْهُمْ: أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ، وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ. (صحيح البخاري 1458).[/box]

الشرح والإيضاح

هذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ فيما يجبُ على الدَّاعي إلى دِينِ اللهِ تعالَى، وفي مُعاملةِ الوالي لِلرَّعيَّةِ، فيَروي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرسَل مُعاذًا رَضيَ اللهُ عنه إلى اليَمنِ كيْ يَدْعوَهم للإسلامِ، وأنَّ دَعوةَ غيرِ المسلِمينَ إلى الإسلامِ تبدأُ بدَعوتِهم إلى الإقرارِ بوَحدانيَّةِ اللهِ تعالَى، ورِسالةِ نبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لأنَّه الشَّرطُ الأوَّلُ في قَبولِ الأعمالِ، وصِحَّةِ جميعِ العِباداتِ الشَّرعيَّة، ولأنَّ بها يَدخُلُ المرءُ في الإسلامِ، وبِدونِها يَظلُّ على الكُفرِ فلا يُخاطَبُ بِغَيرِها مِن شرائعِ الإسلامِ، وقد كان أهلُ اليمَنِ على النَّصرانيَّةِ حينَئذٍ، فإذا أقَرُّوا بالتَّوحيدِ للهِ تعالَى وللنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرِّسالةِ الخاتمةِ العامَّةِ للعالَمين، فنُعلِمُهم أنَّ اللهَ افترَض عليهم خَمْسَ صلَواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ؛ وذلك لأنَّ الصَّلاةَ آكَدُ أركانِ الإسلامِ بعْدَ الشَّهادةِ، وأوَّلُ ما يُحاسَبُ عليه المسلِمُ، فإذا أقَرُّوا، فنُعلِمُهم أنَّ اللهَ افترَض عليهم زكاةً تُؤخَذُ مِن الأغنياءِ، ممَّن يملِكُ النِّصابَ الشَّرعيَّ، وتُرَدُّ إلى الفُقراءِ، وهي عِبادةٌ ماليَّةٌ واجِبةٌ في كُلِّ مالٍ بلَغَ النِّصابَ وحالَ عليه الحَوْلُ -وهو العامُ القَمريُّ أو الهِجريُّ- فيُخرَجُ منه رُبُعُ العُشرِ، وأيضًا يَدخُلُ فيها زَكاةُ الأنعامِ والماشيةِ، وزَكاةُ الزُّروعِ والثِّمارِ، وعُروضِ التِّجارةِ، وزكاةُ الرِّكازِ، بحسَبِ أوقاتِها وأنصبتِها المُقدَّرةِ شرعًا. ومَصارِفُ الزَّكاةِ قد بَيَّنها القرآنُ في قولِه تعالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 60]،
وهذا مِن التدرُّجِ في الدَّعوةِ إلى الله بما يوافِقُ أهلَ المكانِ مِن المَدعُوِّيينَ.
وفي الحديثِ: أنَّه لا يُحكَمُ بإسلامِ الكافرِ إلَّا بالنُّطقِ بالشَّهادتَينِ.
وفيه: أنَّ الحَدَّ الفارقَ ما بيْنَ الغنيِّ والفقيرِ هو امتلاكُ قَدْرِ المالِ الذي تجبُ فيه الزَّكاةُ.
وفيه: تَوصيةُ الإمامِ عاملَه فيما يَحتاجُ إليه مِنَ الأحكامِ وغيرِها.

مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/4293