يجب تبييت نية الصيام من الليل

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]يجب تبييت نية الصيام من الليل إذا كان الصوم واجبًا، أما إذا كان نفلًا فلا يجب؛ فيصح أن يُصام النفل بنية أثناء النهار بشرط عدم تناول مفطرًا؛ قالت عائشة أم المؤمنين: دخلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ذات يوم فقالَ: هل عندَكُم شيءٌ؟ قلنا: لا، قالَ: “”فإنِّي إذا صائمٌ”” رواه مسلم.[/box]

الشرح والإيضاح

هذا الحَديثُ يُوضِّحُ جانبًا مِن هَديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في عَقدِه الصِّيامَ إذا لم يَجدْ طعامًا، وَفي إفطارِه إذا وَجدَ الطَّعامَ، وهذا مِن سماحةِ الإِسلامِ ويُسرِه وعَدمِ تَشدُّدِه، وهذا الحَديثُ يُوضِّحُ أيضًا جانبًا مِن حياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم اليَسيرةِ وأنَّ بُيوتَ زَوجاتِه لم تَكُن مَليئةً بالطَّعامِ بِحيثُ إذا طَلبَه في أيِّ وقتٍ وَجدَه، وإنَّما كانَ يَشبعُ يومًا ويَجوعُ يومًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.
فَقد رَوَتْ أمُّ المُؤمنينَ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنْها حادثةً في بَيتِها فَقالتْ: “قالَ لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، ذاتَ يومٍ” يا عائشةُ، هلْ عندَكم شيءٌ؟” قالتْ فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، ما عِندَنا شيءٌ! قال: ” فإنِّي صائمٌ”.
أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سَألَها ذاتَ يَومٍ: هلْ عِندكِ في بَيتكِ طعامٌ؟ فأَجابتْه بأنَّه لا طعامَ عِندَها، ولِذلكَ قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عاقدًا الصَّومَ: “فإِنِّي صائمٌ”، أي: فإِنِّي صائمٌ ومُمسكٌ عنِ الطَّعامِ.
قالتْ أُمُّ المؤمنينَ عائشَةُ رَضِيَ اللهُ عنها: “فخَرجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، فأُهدِيتْ لنا هَديَّةٌ، أَو جاءَنا زَورٌ”، أي: فبَعدَ أنْ خَرجَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم صائمًا، أُهدِيتْ لنا هَديَّةٌ، والهَديَّةُ يَأكلُ مِنها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، “أو جاءَنا زَورٌ” أي: جاءَنا مَن يَزورُنا ومَعه هَديَّةٌ مِن طعامٍ كَما أَوضحَ ذلكَ آخِرُ الحَديثِ.
قالتْ أُمُّ المُؤمنينَ عائشَةُ رَضِيَ اللهُ عنْها: “فلمَّا رَجعَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أُهديَتْ لنا هَديَّةٌ أو جاءَنا زَورٌ، وقدْ خَبَّأتُ لكَ شيئًا، قال: “ما هوَ ؟” قُلتُ: حَيسٌ. قال: “هاتِيهِ”، فجِئتُ بهِ فأَكلَ. ثُمَّ قال: “قدْ كُنتُ أَصبحتُ صائمًا”، أي: فلمَّا رَجعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى بيتِ أُمِّ المُؤمنينَ عائشةَ رضيَ اللهُ عنْها أَخبرتْه بذلكَ، وأنَّها خَبَّأت له شيئًا مِنها لِعِلْمِها بأنَّه كان يُريدُ أن يَأكلَ، فسأَلَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عنِ الطَّعامِ فقالتْ:”حَيسٌ”، وهوَ الطَّعامُ المَصنوعُ مِن خلطِ السَّمنِ بالتَّمرِ، فَقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: هاتيهِ فأَكلَ مِنه بعدَ أن كانَ عاقدًا الصَّومَ؛ ولِذلكَ قال بعدَ أنْ أَكلَ: “قَد كُنتُ أَصبحتُ صائمًا”، وهذا الصَّومُ كانَ صومَ تَطوُّعٍ، وهذا تَعليمٌ منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم للمُسلِمينَ لِيقتَدوا بهِ.
قالَ طَلحةُ: فحَدَّثتُ مُجاهدًا بهذا الحَديثِ فَقال: ذاكَ بمَنزلةِ الرَّجلِ يُخرِجُ الصَّدقةَ مِن مالِه. فإنْ شاءَ أَمضاها وإِن شاءَ أَمسكَها.
أي: فَعَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ذلكَ لأنَّ لَه حرِّيَّةَ الاختِيارِ في التَّطوُّعِ، وهوَ بمَنزلةِ الرَّجلِ يُخرِجُ الصَّدقةَ مِن مالِه. “فإنْ شاءَ أَمضاها”، أي: أَنفذَها وأَعطاها لِمن كانَ يَنوي أنْ يُعطيَها لَه، “وإِن شاءَ أَمسكَها”، أي: وَإن أَرادَ أَمسَكَها ومَنَعها وَلم يُخرِجْها.
وَفي الحَديثِ: عَقدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم صيامَ التَّطوُّعِ إذ لم يَجدْ طعامًا، وَفي أيِّ وقتٍ منَ اليَومِ ما دامَ لم يَأكُلْ.
وفيه: إفطارُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في صِيامِ التَّطوُّعِ في أيِّ وَقتٍ منَ اليَومِ.

مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/21997