10 وقفات مع شهر المحرم

تبدأ السنة الهجرية بشهر عظيم، هو: شهر المحرم، وهو أحد مواسم الطاعات وأحد الأشهر الحرم التي قال الله تعالى فيها: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

قال قتادة في قوله: ” فلا تظلمـوا فيهن أنفسكم ” إن الظّلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها. وإن كان الظلم على كل حال عظيما ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء، وقال: إن الله اصطفى صفايا من خلقه: اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا واصطفى من الكلام ذكره واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم واصطفى من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالي ليلة القدر فعظموا ما عظّم الله. فإنما تُعَظّم الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل.

وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ). [أخرجه البخاري (4662)، ومسلم (167)].

وقد سميت الأشهر الأربعة الحُرُم بهذا الاسم لأنَّه لا يجوز فيها الغزو والقتال.

الأشهر الحرم
حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشهر الحُرم

سبب تسمية شهر المحرم

سمي شهر المحرم محرمًا تأكيداً لتحريمِ القتالِ فيهِ، لأن العرب كانت تتقلب فيه، فتحله عاماً وتحرمه عاماً، لذا كانت العرب تسميه بـ “الأصم” لشدةِ تحريمه.

جاء في كتاب “المفصل في تاريخ العرب”، لجواد علي، أن شهر المحرم سمى قديمًا بصفر الأول، واقترنت به لفظة محرم لأنه شهر حُرم القتال فيه، وعندما جاء الإسلام أطلق عليه اسم “المحرم”، وأصبح شهر “صفر الثاني” هو شهر صفر فقط.

قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفَضْل الْعِرَاقِيّ فِي شَرْح التِّرْمِذِيّ: مَا الْحِكْمَة فِي تَسْمِيَة الْمُحَرَّم شَهْر اللَّه وَالشُّهُور كُلّهَا لِلَّهِ؟!
يَحْتَمِل أَنْ يُقَال: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ الْأَشْهُر الْحُرُم الَّتِي حَرَّمَ اللَّه فِيهَا الْقِتَال، وَكَانَ أَوَّل شُهُور السَّنَة أُضِيفَ إِلَيْهِ إِضَافَة تَخْصِيص وَلَمْ يَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه –تَعَالَى- عَنْ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَّا شَهْر اللَّه الْمُحَرَّم.

فضل شهر المحرم

  • أضاف النبيِّ صلى الله عليه وسلم شهر المحرم إلى الله، فإنه قال (شهرُ اللهِ المحرَّم) فأضافه إلى نفسِه؛ تشريفًا له، وإشارةً إلى أنَّه حرَّمه بنفسه، وليس لأحدٍ من الخلقِ تحليلُه.
  • للصيامِ فيه فضل عظيم، فعن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضلُ الصيام بعد شهرِ رمضان شهرُ الله [الذي تدعونه] المحرم) رواه مسلم والنسائي. تصميم للحديث السابق
  • وجودُ يومِ عاشوراء في شهر المحرم، فهذا يومٌ عظيمٌ نجى الله فيه موسى وأغرقَ آل فرعون، فصامه اليهودُ شكرًا لله فقال النبي (نحن أولى بموسى منهم) فصامه وأمر بصيامه.
  • أن شهر المحرم أفضلُ الأشهرِ الحرم، قال ابن رجب: “وقد اختلف العلماء في أي الأشهر الحرم أفضل؟ فقال الحسن وغيره: أفضلها شهر الله المحرم، ورجحه طائفة من المتأخرين، وروى وهب بن جرير عن قرة بن خالد عن الحسن، قال: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم.
  • ابتداءُ التأريخ الهجري به، فقد تشاورَ صحابة رسول الله مِن أيِّ شهر يكونُ ابتداء السنةِ، فاختار عمر وعثمان وعليٌ رضي الله عنهم أن يكون ابتداءُ السنةِ من شهر المحرم، لأنه شهرٌ حرامٌ يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم الذي به تمام أركان دينهم، ولأن ابتداء العزم على الهجرةِ كان فيه، إذ البيعةُ كانت في ذي الحجةِ، وهي مقدمة للهجرةِ، وأول هلالِ هل بعدها المحرم، فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من شهر المحرم.

فضل الإكثار من صيام النافلة في شهر المحرم

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ ” رواه مسلم (1982).

ولكن قد ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم شهرا كاملا قطّ غير رمضان فيُحمل هذا الحديث على الترغيب في الإكثار من الصّيام في شهر المحرم لا صومه كله.

وقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان، ولعله لم يوحَ إليه بفضل المحرّم إلا في آخر الحياة قبل التمكّن من صومه.. شرح النووي رحمه الله على صحيح مسلم.

صوم يوم عاشوراء

عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر المحرم، وصيامه وإن لم يعد واجباً فهو مما ينبغي الحرص عليه غاية الحرص؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلاَّ هذا اليوم يومَ عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان” (رواه البخاري 1867). ومعنى “يتحرى” أي: يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» (رواه مسلم 1976) وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.

الحكمة من صيام يوم عاشوراء

يوم عاشوراء هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده، فصامه موسى شكراً لله تعالى، وصامه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه، فقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه”.

صوم يوم عاشوراء في شهر المحرم

استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء

روى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع»، قال: فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه مسلم 1916).

قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع.

وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب: أدناها أن يصام وحده، وفوقه أن يصام التاسع معه، وكلّما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب.

سبب صيام تاسوعاء

سبب صيام تاسوعاء قبل يوم عاشوراء له حِكَمٌ ذكرها العلماء؛ منها:

  • أولًا: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر.
  •  ثانيًا: أن المراد وصل يوم عاشوراء بصوم.
  • ثالثًا: الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط، فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر.

مراتب صيام يوم عاشوراء

ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد وابن حجر في كتابه فتح الباري أن صيام عاشوراء ثلاث مراتب:

  1. صوم التاسع والعاشر والحادي عشر وهذا أكملها.
  2. صوم التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث.
  3. صوم العاشر وحده.

ولكن ذكر بعض العلماء أن صيامه أربع مراتب، فجعلوا المرتبة الثالثة: صيام العاشر والحادي عشر من شهر مُحرَّم، والمرتبة الرابعة: صيام عاشوراء فقط.

ما هي الذنوب التي يكفرها صوم عاشوراء؟

تكفير الذنوب الحاصل بصيام يوم عاشوراء المراد به الصغائر، أما الكبائر فتحتاج إلى توبة خاصة.

قال النووي رحمه الله: يُكَفِّرُ (صيام يوم عرفة) كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ، وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ.

ثم قال رحمه الله: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ… كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ، … وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ. المجموع شرح المهذب ج6

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ، وَالصَّلاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَعَرَفَةَ، وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ. الفتاوى الكبرى ج5.

بدع عاشوراء

قال الشيخُ عبدُ الله الفوزان: وقد ضلَّ في هذا اليومِ طائفتانِ:

طائفةٌ شابهت اليهودَ؛ فاتَّخَذت عاشوراءَ موسِمَ عيدٍ وسرورٍ، تُظهِر فيه شعائِرَ الفَرَح؛ كالاختضابِ، والاكتحالِ، وتوسيع النَّفَقاتِ على العيال، وطبخِ الأطعمةِ الخارجةِ عن العادةِ، ونحوِ ذلك من عَمَلِ الجُهَّالِ، الذين قابلوا الفاسِدَ بالفاسدِ، والبِدْعةَ بالبِدْعةِ.

وطائفةٌ أخرى اتَّخذت عاشوراءَ يومَ مأتَمٍ وحُزنٍ ونياحةٍ؛ لأجْلِ قَتْلِ الحُسَين بن علي -رضي الله عنهما- تُظهِرُ فيه شعارَ الجاهليةِ؛ مِن لطمِ الخدودِ، وشقِّ الجيوبِ، وإنشادِ قصائدِ الحُزن، وروايةِ الأخبارِ التي كَذِبُها أكثرُ من صِدْقِها، والقصدُ منها فتحُ بابِ الفتنةِ، والتفريقُ بين الأمَّةِ، وهذا عَمَلُ من ضلَّ سَعْيُه في الحياةِ الدُّنيا، وهو يحسَبُ أنَّه يحسِنُ صُنعًا.

وقد هدى اللهُ تعالى أهلَ السُّنَّةِ، ففَعَلوا ما أمَرَهم به نبيُّهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الصَّومِ، مع رعايةِ عدَمِ مشابهةِ اليهودِ فيه، واجتَنَبوا ما أمرهم الشَّيطانُ به من البِدَعِ، فلله الحمدُ والمِنَّة.

وقد نصَّ أهلُ العِلمِ رحمهم الله أنَّه لم يَثبُتْ عبادةٌ من العباداتِ في يومِ عاشوراءَ إلَّا الصيامُ، ولم يثبُتْ في قيامِ ليلتِه، أو الاكتحالِ أو التطيُّبِ أو التوسِعةِ على العيالِ، أو غيرِ ذلك؛ لم يَثبُتْ في ذلك دليلٌ عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

أهم الأحداث التي وقعت في شهر المحرم

  1. نجاة رسول الله موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين من فرعون في العاشر من شهر المحرم.
  2. سرية أبي سلمة بن عبد الأسد إلى طليحة الأسدي سنة 4 هـ.
  3. سرية محمد بن مسلمة قبل نجد، وهي التي أسر فيها ثمامة بن أثال سنة 6 هـ.
  4. زواج النبي صلى الله عليه وسلم من صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها سنة 6هـ.
  5. خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر سنة 7 هـ.
  6. انتصار المسلمين بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه على جيوش الفرس بقيادة هرمز في معركة (ذات السلاسل) سنة 12 ه
  7. وفاة أبي قحافة التيمي أبي أبي بكر الصديق رضي الله عنه سنة 14هـ.
  8. وفاة مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 16هـ.
  9. تولي عثمانَ بنِ عفان رضي الله عنه الخلافة عقب مقتل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 24ه.
  10. قتْل الحسين بن علي رضي الله عنهما يوم الجمعة سنة 61هـ.
  11. عبور جيوش التتار بقيادة (باجو) أحد قادة (هولاكو) نهرِ دجلة واستولت على بغداد بعد أن ألحقت الهزيمة بالجيش العباسي سنة 656هـ
  12. لقي الجنرال (كليبر) قائد الحملة الفرنسية في مصر مصرعه على يد شاب سوري يدرس بالأزهر وهو (سليمان الحلبي) سنة 1215هـ
كتاب جدد حياتك مع شهر الله المحرم
كتاب جدد حياتك مع شهر الله المحرم
كتاب جددي حياتك مع شهر الله المحرم
كتاب جددي حياتك مع شهر الله المحرم