موافقة عمر بن الخطاب رضي الله عنه للهدى والحق

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ. (صحيح مسلم 2399).[/box]

الشرح و الإيضاح

هذا الحديثُ مِن أجَلِّ مناقِب عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ الله عنه وفضائِلِه، وفيه يقولُ عُمرُ رضِي اللهُ عَنْه: “وافقتُ ربِّي في ثلاثٍ”، وما أحسَنَ عبارَتَه وألطَفَها! حيثُ راعَى فيها حُسْنَ الأدبِ؛ فَلَم يَقُل: وافقَني ربِّي في ثلاثٍ؛ لأنَّ الآياتِ إنَّما نَزَلَتْ مُوافِقةً لرَأْيِه واجتهادِه. وإنَّما ذَكَر عمرُ مُوافقاتِه لله تعالى؛ ليَحسُنَ ظنُّ السامعينَ بِه ولا يُنازِعوه في حقٍّ يقولُه، ولكي يَقتديَ به المؤمنونَ في إيثارِه الحقَّ وقولِه الصَّوابَ، ثم ذَكَر هذه الثَّلاثَ؛ فالأُولى: “مَقامُ إبراهيمَ”، وهو أنَّ عُمرَ قال: يا رسولَ اللهِ، لو اتَّخَذْنا مِن مَقامِ إبراهيمَ مُصَلًّى؟ فنزَلَتْ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]، أي: اتِّخِذوا – أيُّها الناسُ من مَقامِ إبراهيمَ مُصلًّى تُصلُّون عنده، عِبادةً منكم للهِ تَعالى، وتَكرُمةً لإبراهيمَ مِن اللهِ سبحانَه، وذلك عَقِبَ الانتهاءِ من الطَّوافِ بالكَعبةِ.
الثَّانيةُ: “وفي الحِجابِ”، يَعني: آيةَ الحِجابِ؛ فقد قال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ، لوْ أَمَرْتَ نساءَك أن يحتَجِبْن؛ فإنَّه يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ والفاجِرُ، فنزلتْ آيةُ الحِجابِ، وهي قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59]، وقد كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّمَ يَعلمُ أنَّ حَجْبَهنَّ خيرٌ من غَيرِه، لكنَّه كانَ مترقِّبًا للوَحْيِ؛ ولذلك لم يُوَافقْ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهُ حين أَشارَ عليه بذلِك، وكان الحِجابُ في السَّنَةِ الخامِسَة، أو في ذي القَعْدةِ سنَةَ أربَعٍ، أو في السَّنَة الثَّالثةِ.
الثَّالثةُ: “وفي أُسارى بَدْرٍ”، أي: في مُوافَقةِ حُكْمهِ ورأيِه لحُكمِ الله تعالى في أَسْرى بَدْر، وذلك حينما سألَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا بَكْرٍ وعُمَرَ: ما ترَوْنَ في الأُسارى؟ فقال أبو بكرٍ: يا نبيَّ اللهِ، هم بنو العَمِّ والعَشيرةِ، أرى أنْ تأخُذَ منهم فِديةً فتكونَ لنا قوَّةً على الكفَّارِ، فعسى اللهُ أن يَهديَهم للإسلامِ، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما ترى يا ابنَ الخطَّابِ؟ قال: لا، واللهِ! ما أرى الَّذي رأى أبو بكرٍ، ولكنِّي أرى أن تُمكِّنَّا فنَضرِبَ أعناقَهم؛ فإنَّهم أئمَّةُ الكُفرِ، فهَوِيَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما قال أبو بكرٍ، فلمَّا كان مِن الغَدِ جاء عمرُ فوجَد رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأبا بكرٍ قاعدَيْنِ يَبكيانِ، فسألهما: يا رسولَ اللهِ، أخْبِرني مِن أيِّ شيءٍ تَبكي أنتَ وصاحبُك، فإنْ وجَدْتُ بكاءً بكَيْتُ، وإنْ لم أجِدْ بكاءً تباكَيْتُ لبُكائِكما؟ فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أَبْكِي للَّذي عرَض عليَّ أصحابُك مِن أخْذِهم الفِداءَ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابُهم أدْنى مِن هذه الشَّجرةِ، وأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67]، أي: يُكثِرَ القَتْلَ والقهرَ في العَدُوِّ، إلى قولِه: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]، أي: ولولا حُكْمٌ من اللهِ سَبَق إثباتُه في اللَّوحِ المحفوظِ، وهو ألَّا يُعاقِبَ المُخْطِئَ في اجتهادِه، أو ألَّا يُعذِّب أهلَ بَدْرٍ أو قومًا لم يُصرِّح لهم بالنَّهيِ عنه، أو أنَّ الفِدْيةَ التي أَخَذوها ستَحِلُّ لهم؛ لَمَسَّهم ونالَهم فيما أَخَذوا من الفِداءِ عذابٌ عظيمٌ؛ فنزَلَتِ الآياتُ بموافقةِ رأي عُمرَ رضِي اللهُ عنه في أسارى بَدرٍ.
وليس في تَخصيصِ عُمرَ العَدَدَ بالثَّلاثِ في هذا الحديثِ ما يَنفي الزِّيادةَ عليها؛ لأنَّه حَصلتْ له الموافقةُ في أشياءَ غيرِ هذه؛ مِن أشهرِها: قِصَّةُ اجتماعِ نِساءِ النبيِّ عليه في الغَيْرةِ، وقولُ عُمَرَ لهنَّ: عسى ربَّه إنْ طلَّقكنَّ أنْ يُبْدِلَه أزواجًا خيرًا مِنكنَّ. ومنها: قِصَّةُ الصَّلاةِ على المنافقينَ.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/26765