عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دَخَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ علَى أَبِي سَلَمَةَ –بعد موته- وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ، فأغْمَضَهُ، ثُمَّ قالَ: “إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البَصَرُ، فَضَجَّ نَاسٌ مِن أَهْلِهِ، فَقالَ: لا تَدْعُوا علَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بخَيْرٍ؛ فإنَّ المَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ علَى ما تَقُولونَ” صحيح مسلم 920
وقال رسول الله ﷺ : “إذا حضرتُم موتاكم فأَغمِضوا البصرَ، فإنَّ البصرَ يَتبَعُ الروحَ، وقولوا خيرًا؛ فإنَّ الملائكةَ تؤَمِّنُ على ما يقولُ أهلُ البيتِ” صحيح الجامع: 492
الشرح والإيضاح
هذا الحديثُ فيهِ تَربيةٌ وتَعليمٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حيثُ إنَّه يُعلِّمُ المسلمينَ ويُربِّيهم عَلى الصَّبرِ عندَ مُصيبةِ مَوتِ قَريبٍ أو عَزيزٍ، وعَلَّمنا ماذا نَقولُ وَماذا نَدعو بِه، وتَرْكِ الصَّخبِ وفاحشِ القولِ عندَ احتِضارِ المَوتى.
وهذا الحَديثُ واقعةٌ عَمليَّةٌ حيثُ حَضر رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم احتِضارَ أَبي سَلمةَ وهوَ يَموتُ، “وقدْ شَقَّ بصرُه، فأَغمضَه”، “وقدْ شقَّ بَصرُه” أي: بَقِي بَصرُه مُنفتِحًا ومُتَّسعًا بعدَ أن خَرجَت روحُه إلى بارئِها، وظلَّ شاخصًا، كَما في حَديثِ أَبي هُريرةَ عندَ مُسلمٍ مَرفوعًا: “أَلم تَروا أنَّ الِإنسانَ إذا ماتَ شَخصَ بَصرُه؟ قالوا: بَلى، قال: فذَلك حينَ يَتْبعُ بصرُه نفْسَه”.
“فأَغمضَه”، أي: أَغمضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَينَي أبي سَلمةَ؛ لئلَّا يَقبُحَ مَنظرُه، والإِغماضُ بمعنَى التَّغميضِ والتَّغطيةِ، ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: “إنَّ الرُّوحَ إذا قُبِضَ تَبِعَه البصرُ”، يَحتملُ أن يَكونَ علَّةً للإِغماضِ، كأنَّه قال أَغمضتُه؛ لأنَّ الرُّوحَ إذا خرجَ من الجسدِ تَبِعَه البصرُ في الذَّهابِ فلم يَبقَ لانفتاحِ بَصره فائدةٌ، وأن يَكونَ بيانًا لسببِ الشَّقِّ، فلمَّا أَغمض النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عَينَي أَبي سلمةَ وقالَ: “إنَّ الرُّوحَ إذا قُبِضَ تَبِعَه البصرُ”، تأكَّد الحاضرونَ أنَّه قد ماتَ، “فضجَّ ناسٌ مِن أهلِه”، أي: رفَعُوا الصَّوتَ بالبُكاءِ وصاحَ ناسٌ مِن أهلِ أبي سلمةَ، فنَهاهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن قولِ الفُحشِ وأَمرَهم بقَولِ الخَيرِ والدُّعاءِ بالخيرِ، فقالَ: “لا تَدْعوا عَلى أَنفسِكم إلَّا بخيرٍ”، أي: لا تَدْعوا بالويلِ والثُّبورِ على عادةِ الجاهليَّةِ، ولكن قُولوا خيرًا؛ “فإنَّ الملائكةَ يُؤمِّنون عَلى ما تَقولون”، أي: إنَّ المَلائكةَ يُؤمِّنون عَلى دُعائِكم من خيرٍ أو شرٍّ.
ثُمَّ دعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأبي سلمةَ، وَهذا مِن تَعليمِه لأُمَّته فَقال: “اللَّهمَّ اغفِر لأَبي سلمةَ”، أيِ: اللَّهمَّ اغفِر لَه ذُنوبَه، “وارفَعْ دَرجتَه في المَهديِّين”، أي: أن يَكونَ مَع الَّذين أَنعمَ اللهُ عَليهم بالهِدايةِ في دَرجةٍ رَفيعةٍ، “واخلُفْه في عَقِبِه”، أي: كُن خَليفةً لَه في رِعايةِ أَمرِه وحِفظِ مَصالحِ أَهلِه وأَولادِه.
وَفي رِوايةٍ: “واخلُفْه في تَرِكتِه”، أي: ما تَركَه بعدَ موتِه مِن أوَّل ما وُلِدَ “في الغابِرينَ”، أيِ: الباقينَ في الأَحياءِ منَ النَّاس، “وأَفسِح له في قبرِه””، وفسَّرَتها رِوايةُ: “اللَّهمَّ أَوسِع له في قَبرِه”، أي: وَسِّع لَه قبرَه اتِّساعًا فَسيحًا، وهوَ دُعاء بَعدمِ الضَّغطةِ، “ونَوِّر له فيهِ”، أي: نَوِّر لَه في قبرِه وادْفَع عنهُ الظُّلمةَ.
وفي الحديثِ: إِغماضُ عينِ الميِّت.
وفيهِ: الإِرشادُ إلى الصَّبرِ وقولِ الخيرِ عندَ مُصيبةِ الموتِ.
وفيهِ: أنَّه يُدْعَى للميِّتِ عندَ مَوته ولأَهلِه ولعَقِبِه بأُمورِ الآخرَةِ والدُّنيا.
وفيه: دَلالةٌ عَلى أنَّ الميِّتَ يَنعَمُ في قَبرِه أو يُعذَّب.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/20149