عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: «إن من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مَثل المسلم، فحدِّثوني ما هي» فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت، ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله قال: «هي النخلة»
صحيح البخاري: 61.
مثل المسلم: من حيث كثرة النفع واستمرار الخير.
فوقع الناس: ذهبت أفكارهم وجالت.
البوادي: جمع بادية وهي خلاف الحاضرة من المدن.
فاستحييت: أي أن أقول هي النخلة؛ توقيرًا لمن هم أكبر مني في المجلس.
الشرح و الإيضاح
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُعلِّمًا حَكيمًا ومُربِّيًا عَظيمًا، وكان يُقرِّبُ المَفاهيمَ للناسِ بضَربِ الأمثالِ الموضِّحةِ.وفي هذا الحَديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سأَلَ أصحابَه عن الشَّجرةِ الَّتي لا يَسقُطُ ورَقُها، وشبَّهها بالمسلمِ، فذهَبَت أفكارُهم أنَّها مِن شجَرِ البَوادي، جمْع باديةٍ، وهي الصَّحراءِ، فكان كلُّ إنسانٍ يُفسِّرُها بنَوعٍ مِن أنواعِ شَجرِ الصَّحراءِ، وذهَلوا عن النَّخلةِ، ووقَعَ في نفْسِ ابنِ عمرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّها النَّخلةُ، ولكنَّه استَحْيا أنْ يَذكُرَ ما في نفْسِه تَوقيرًا لأكابرِ الصَّحابةِ الحاضرينَ الذين لم يَعرِفوها، ففسَّرها لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالنَّخلةِ. وأشبَهَت النَّخلةُ المسلمَ في كَثرةِ خَيرِها، ودَوامِ ظِلِّها، وطِيبِ ثَمرِها، ويُتَّخَذُ منها مَنافعُ كثيرةٌ، وهي كلُّها مَنافعُ وخيرٌ وجَمالٌ، والمؤمنُ خيرٌ كلُّه؛ مِن كَثرةِ طاعاتِه، ومَكارمِ أخلاقِه، ومُواظبتِه على عِبادتِه، وصَدَقتِه، وسائرِ الطَّاعات، فكأنَّ الخيرَ لا يَنقطِعُ منه، فهو دائمٌ كما تَدومُ أوراقُ النَّخلةِ فيها، ثمَّ الثَّمَرُ الكائنُ منها في أوقاتِه.وفي الحديثِ: إلْقاءُ العالِمِ المسائلَ على المُتعلِّمين؛ ليَختبِرَ أفهامَهم.وفيه: ما يدُلُّ على فِطنةِ عبدِ اللهِ بنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما.وفيه: فضْلُ النَّخلةِ، وشَبَهُها بالمُسلمِ.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/58