سيد التابعين وخيرهم – منعه برّه بأمّه من شرف الصحبة

عن أسير بن جابر رضي الله عنه قال: كانَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ إذا أَتى عليه أَمْدادُ أَهْلِ اليَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بنُ عامِرٍ؟ حتّى أَتى على أُوَيْسٍ فَقالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بنُ عامِرٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: مِن مُرادٍ ثُمَّ مِن قَرَنٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَكانَ بكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ منه إلّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: لكَ والِدَةٌ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يقولُ: يَأْتي علَيْكُم أُوَيْسُ بنُ عامِرٍ مع أَمْدادِ أَهْلِ اليَمَنِ، مِن مُرادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كانَ به بَرَصٌ فَبَرَأَ منه إلّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، له والِدَةٌ هو بها بَرٌّ، لو أَقْسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لكَ فافْعَلْ فاسْتَغْفِرْ لِي، فاسْتَغْفَرَ له. فَقالَ له عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قالَ: الكُوفَةَ، قالَ: أَلا أَكْتُبُ لكَ إلى عامِلِها؟ قالَ: أَكُونُ في غَبْراءِ النّاسِ أَحَبُّ إلَيَّ. (صحيح مسلم ٢٥٤٢).

ولا يُفهمُ مِن هذا أفضليَّتُه على عُمَرَ رضِي اللهُ عنه، ولا أنَّ عُمرَ رضِي اللهُ عنه غيرُ مَغفورٍ له؛ لِلإجماعِ على أنَّ عُمرَ رضِي اللهُ عنه أفضلُ منه؛ لأنَّ أُويسًا تَابعيٌّ والصحابيُّ أفضلُ منه، إنَّما مَضمونُ ذلك الإخبارُ بأنَّ أُوَيْسًا مِمَّنْ يُستجابُ له الدُّعاءُ، وإرشادُ عُمرُ رضِي اللهُ عنه إلى الازديادِ مِنَ الخيرِ واغتنامِ دُعاءِ مَن تُرجَى إجابتُه، وهذا نحوٌ مِمَّا أمَرَنا النَّبيُّ ﷺ به مِنَ الدُّعاءِ له، والصَّلاةِ عليه وسُؤالِ الوَسيلَةِ له وإنْ كان النَّبيُّ ﷺ أفضلَ ولَدِ آدمَ، فَاستغْفِرْ لي، فَاستغْفَرَ له.
وفي الحديثِ: مُعجزةٌ لِلنَّبيِّ ﷺ؛ لِمَا فيه مِنَ الإخبارِ بِالأمرِ قبْلَ وقوعِه.

الشرح والإيضاح

يَحكي أُسَيرُ بنُ جابرٍ أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه كان إذا أَتى عليهِ “أمْدَادُ أهلِ اليمنِ” وهمُ الجماعاتُ الغُزاةُ الَّذينَ يَمدُّونَ جُيوشَ الإسلامِ في الغزْوِ، واحدُهم مَدَدٌ، سألَهم: أَفيكُم أُويْسُ بنُ عامرٍ؟ حتَّى أتى على أُوَيْسٍ رضِي اللهُ عنه فقالَ: أَنتَ أُوَيْسُ بنُ عامرٍ؟ فَأجابَه: نَعمْ، قال: مِن مُراد، وهي اسمُ قبيلةٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ، وهو قَرَنُ بنُ رَمادِ بنِ نَاجيةَ بنِ مُراد، فَسألَه: أكانَ بكَ بَرَصٌ فَبرأْتَ منه إلَّا مَوضعَ دِرهمٍ أُبقِيَ؛ لِيُذكِّرَ ما كان به مِن هذا الدَّاءِ، ثُمَّ عُوفِي فَيَبعثَه ذلك على الزِّيادةِ في الشُّكرِ؟ فَأجابَ: نَعمْ، قال: لكَ وَالدةٌ؟ قال: نَعمْ، ظَاهِرُه أنَّها كانتْ مَوجودةً ذلك الحينِ، قال عُمرُ رضِي اللهُ عنه: فَإِنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: يأْتِي عليكم أُوَيْسُ بنُ عامرٍ، مع أمدادِ أهلِ اليمنِ مِن مُراد ثُمَّ مِن قَرَنٍ، وكان به بَرَصٌ فَبرأَ منه إلَّا مَوضِعَ دِرهَمٍ، له والدةٌ هو بها بَرٌّ، أي: بالِغٌ في البِرِّ والإحسانِ إليها، لو أقسمَ على اللهِ، أي: أَقسمَ عليه بِحُصولِ أمْرٍ لَأبرَّه اللهُ بِحصولِ ذلك الْمُقسَمِ على حُصولِه، فإنِ استطعْتَ أنْ يستغفِرَ لك فافعَلْ، ولا يُفهمُ مِن هذا أفضليَّتُه على عُمَرَ رضِي اللهُ عنه، ولا أنَّ عُمرَ رضِي اللهُ عنه غيرُ مَغفورٍ له؛ لِلإجماعِ على أنَّ عُمرَ رضِي اللهُ عنه أفضلُ منه؛ لأنَّ أُويسًا تَابعيٌّ والصحابيُّ أفضلُ منه، إنَّما مَضمونُ ذلك الإخبارُ بأنَّ أُوَيْسًا مِمَّنْ يُستجابُ له الدُّعاءُ، وإرشادُ عُمرُ رضِي اللهُ عنه إلى الازديادِ مِنَ الخيرِ واغتنامِ دُعاءِ مَن تُرجَى إجابتُه، وهذا نحوٌ مِمَّا أمَرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم به مِنَ الدُّعاءِ له، والصَّلاةِ عليه وسُؤالِ الوَسيلَةِ له وإنْ كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أفضلَ ولَدِ آدمَ، فَاستغْفِرْ لي، فَاستغْفَرَ له، فقال له عُمرُ رضِي اللهُ عنه: أَينَ تُريدُ؟ فقال: الكوفةَ، وهي البلدةُ المعروفةُ بِالعراقِ، وسُمِّيتْ بذلك لِاستدارةِ بِنائِها، فقال عُمرُ رضِي اللهُ عنه: أَلا أَكتبُ لك إلى عامِلِها؟ أي: لِيُقوِّمَ مِن بيتِ مالِ المسلمِينَ منها بِكفايَتِك، فقال: أكونُ، أي: كَونِي في “غبراءِ النَّاسِ”، أي: عامَّتِهم وفُقرائِهمُ الَّذي لا يُؤبَه إليهم أحبُّ إليَّ، فلَمَّا كان مِنَ العامِ الْمُقبِلِ، أي: بِالنِّسبةِ لِعامِ مُلاقاةِ عُمرَ رضِي اللهُ عنه له، حجَّ رجلٌ مِن أشرافِهم، أي: أشرافِ أهلِ الكوفةِ فَوافقَ عُمرَ رضِي اللهُ عنه فَسألَه عَن أُوَيْسٍ، فقال: تَركتُه رثَّ البيتِ، أي: رثَّ مَتاعِه، وهو المتاعُ الدُّونُ أو الخَلَقُ البالي “قليلَ المتاعِ”، وهو كلُّ ما يُنتفعُ به كَالطَّعامِ وأَثاثِ البيتِ، فَكرَّرَ عُمرُ رضِي اللهُ عنه له ما سَمعَه مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن أُوَيْسٍ الْقَرَنيِّ، فَأَتى ذلك الرَّجلُ أُوَيْسًا، فقال: اسَتَغْفِرْ لي، فقالَ أُوَيْسٌ: أَنتَ أحدَثُ عَهدًا بِسَفَرٍ صالحٍ، أي: أقْربُ، أي: أَرْجَى لِإجابةِ دُعائِه؛ فَلذَا سألَ منه أُويْسٌ الدُّعاءَ، وقال له: فَاستغفِرْ لي، فَكرَّرَ الرَّجلُ ما قاله ورَدَّ عليه أُويسٌ بِنفْسِ قولِه، فَفطِنَ أُويسٌ أنَّه عَرفَ بِمقامِه فقال لِلرَّجلِ: لَقيتَ عُمرَ؟ قال: نَعمْ، فَاستغْفَرَ له؛ لأنَّه علِمَ أنَّه أَعْلمَه بِعلُوِّ مَقامِه، وأنَّه لَمَّا علمَ ذلك لا يَتركُه حتَّى يَدعُوَ له ودعا له بِطلبِ المغفرةِ، فَفطِنَ له النَّاسُ وأَقبَلُوا عليه فَانطلَقَ على وجهِه خارجًا؛ لأنَّ في ذلك إِشغالًا له عَن شأنِه المتوجِّهِ هو إليه مِن إفرادِ الحقِّ بِالقصدِ والانقطاعِ إليه مِنَ الخلقِ وكأنَّه هرَبَ مِنَ النَّاسِ إلى مكانٍ لا يَعرِفُ أهلهُ عنه ذلك، قال أُسيرٌ: وكَسوتُه بُردةً، فكان كلَّما رآه إنسانٌ قال: مِن أينَ لِأُويسٍ هذه الْبردةُ؟ “والبُردةُ” كساءٌ مُخَطَّطٌ وهى الشملَةُ والنَّمِرةُ.
في الحديثِ: مُعجزةٌ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِمَا فيه مِنَ الإخبارِ بِالأمرِ قبْلَ وقوعِه.
وفيه: تبليغُ الشَّريعةِ ونشْرُ السُّنَّةِ والإقرارُ بِالفضْلِ لِأهلِه.
وفيه: الثَّناءُ على مَن لا يُخشى عليه عُجْبٌ بِذلك لِيقينِه وكمالِ إيمانِه.
وفيه: فضْلُ السَّفرِ الصَّالحِ، وأنَّ القادِمَ منه أرجى لِإجابةِ دعائِه
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/16782

تحميل التصميم