تحويل القبلة من حديث البراء بن عازب

‏عن البراء بن عازب، أن النبي ﷺ كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده، أو قال أخواله من الأنصار، وأنه «صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يعجبه أن تكون قِبْلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم»، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله ﷺ قِبَل مكة، فداروا كما هم قِبَل البيت.

صحيح البخاري: 40

الشرح والإيضاح

شَرائِعُ الدِّينِ مَبنيَّةٌ على الوحْيِ وما أمَرَ به اللهُ سُبحانه، وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَّبِعًا لذلك، وإنْ مالَتْ نفْسُه إلى أمرٍ فإنَّه لا يَفعَلُه ما لم يُؤمَرْ به.وفي هذا الحَديثِ يَروي البَراءِ بْنُ عازِبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه لَمَّا قدِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المدينةَ نزَلَ على بني النَّجَّارِ؛ لأنَّهم هم أخوالُه أو أجدادُه مِن جِهةِ جَدِّ أبيه هاشمِ بنِ عبدِ مَنافٍ. وفي أوَّلِ أمرِ الإسلامِ لمَّا فُرِضَت الصَّلاةُ كانت قِبلتُه إلى بيتِ المقدِسِ، وظلَّ يتَّجِهُ إليه سِتَّةَ عشَرَ شَهرًا، أو سَبعةَ عشَر شَهرًا، وكان يُعجِبُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ تكونَ قِبلتُه قِبَلَ الكعبةِ؛ وقد أخبَرَ اللهُ سُبحانه عن حالِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه في قولِه تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144]، فوَعَدَه أنْ يُوجِّهَه إلى القِبلةِ التي يَرْضاها، وكانت أوَّلُ صَلاةٍ صلَّاها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتوجِّهًا إلى الكعبةِ هي صَلاةَ العصرِ، ولا خِلافَ أنَّ ذلك كان في السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهجرةِ، وصلَّى معه بَعضُ أصحابِه، فخرَجَ رجلٌ ممَّن صلَّى معه، فمَرَّ على أهلِ مَسجدٍ، فوجَدَهم يُصَلُّون، وكانوا راكعينَ، فقال لهم: أحْلِفُ باللهِ، لقدْ صلَّيتُ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتوجِّهًا إلى الكعبةِ في الصَّلاةِ، فلمَّا سَمِعوه صدَّقوه وَدارُوا ناحيةَ المسجدِ الحرامِ، ولم يَقطَعوا الصَّلاةَ، بلْ أتمُّوها إلى جِهةِ الكعبةِ، فصلَّوا صَلاةً واحدةً إلى جِهتينِ: جِهةِ المسجدِ الأقْصى، وجِهةِ المسجدِ الحرامِ.وكان اليهودُ يُعجِبُهم تَوجُّهُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى بَيتِ المقدِسِ؛ لأنَّه قِبْلَتُهم، فلمَّا تَوجَّه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى البيتِ الحرام، أنكَروا ذلك، فنَزَل قولُه تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة: 142] الآياتِ، كما جاء مُصرَّحًا به في رِواياتٍ أُخرى.وكان بعضُ الصَّحابةِ ممَّن صلَّى إلى بَيتِ المقدِسِ مات أو قُتِل قَبلَ أنْ تُحوَّلَ القِبلةُ إلى البيتِ الحرام، فسُئِل صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنهم؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، أي: صَلاتَكم.وفي الحديثِ: ما كان عندَ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم مِن سُرعةِ تَلبيةِ واستجابةِ أوامرِ اللهِ عزَّ وجلَّ ورسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وفيه: مَشروعيَّةُ الحَلِفِ على الشَّيءِ لتَأكيدِه.وفيه: الحضُّ على حُسنِ الاستِجابةِ لِداعي اللهِ ورَسولِه.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/5971

تحميل التصميم