التحذير من الغضب وبيان ما يُسكّن الغضب

عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: اسْتَبَّ رَجُلانِ عِنْدَ النبيِّ ﷺ، فَجَعَلَ أَحَدُهُما تَحْمَرُّ عَيْناهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْداجُهُ، قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: إنِّي لأَعْرِفُ كَلِمَةً لو قالَها لَذَهَبَ عنْه الذي يَجِدُ: أَعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ فَقالَ الرَّجُلُ: وَهلْ تَرى بي مِن جُنُونٍ؟.
حذَّرَ النَّبيُّ ﷺ مِنَ الغَضبِ؛ لِما يحملُ عليه مِنَ الشَّرِّ والتَّهوُّرِ، وكان ﷺ لا يغضبُ إلّا أنْ تُنتهَكَ حُرُماتُ اللهِ تعالى، وهو الغضبُ المحمودُ، وفي هذا الحَديثِ يُرشدُ النَّبيُّ ﷺ إلى ما يَسكنُ به الغضبُ ويَذهبُ أثرُه، وهو: أنْ يقولَ مَن أصابَه الغضبُ: «أَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ».
وقول الرَّجل: «وهلْ بي جنونٌ»؟! هذا مِن قلَّةِ فقْهِه، فتوَهَّم أنَّ الاستعاذةَ مُختصَّة بِالمجانينِ، ولم يعلمْ أنَّ الغَضبَ مِن نَزغاتِ الشَّيطانِ، وأنَّ الاستعاذةَ تدفعُ كَيدَه.

(صحيح مسلم ٢٦١٠)

الشرح والإيضاح

حذَّرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الغَضبِ؛ لأنَّه يَدفَعُ إلى الشَّرِّ والتَّهوُّرِ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغضَبُ إلَّا أنْ تُنتهَكَ حُرُماتُ اللهِ تعالَى، وهو الغضبُ المحمودُ.
وفي هذا الحَديثِ يُرشِدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى ما يَسكُنُ به الغضبُ ويَذهَبُ أثَرُه، وهو: أنْ يَقولَ مَن أصابَه الغضبُ: «أَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ»، فقدْ أخبَرَ سُلَيمانُ بنُ صُرَدَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال ذلك عِندما رَأى رجُلينِ يَستبَّانِ، أي: يَتبادَلانِ السَّبَّ والشَّتْمَ، فاحْمرَّ وجْهُ أحدِهما، وفي رِوايةِ مُسلمٍ: «تَحمَرُّ عَيناهُ»، وانْتفخَتْ أوداجُه، وهي عُروقُه؛ وذلك مِن شِدَّةِ الغضبِ، والوَدَجُ عِرقٌ يُحيطُ بالعُنقِ، ولكلِّ إنسانٍ وَدَجَانِ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنِّي لَأعلَمُ كَلمةً لو قالها» هذ الغاضبُ «ذَهَبَ عنه ما يَجِدُ» مِن الغضَبِ الشَّديدِ؛ فلو أنَّه قال: «أعوذُ بالله مِنَ الشَّيطانِ، ذهَبَ عنه ما يَجِدُ»؛ لأنَّ الغضَبَ مِن نَزَغاتِ الشَّيطانِ، وهذا تَحذيرٌ مِن الوُقوعِ في الغضَبِ.
فلمَّا سَمِع الصَّحابةُ قولَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أخْبَروا الرَّجُلَ الغاضبَ ما قالَهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي رِوايةِ أبي داودَ أنَّ مُعاذَ بنَ جَبَلٍ رَضيَ اللهُ عنه هو الَّذي ذهَبَ إلى الرَّجلِ الغَضبانِ، فقالَ الرَّجلُ: «وهلْ بي جُنونٌ؟!» وهذا مِن قلَّةِ فقْهِه، فتوَهَّم أنَّ الاستعاذةَ مُختصَّةٌ بالمجانينِ، ولم يَعلَمْ أنَّ الغَضبَ مِن نَزَغاتِ الشَّيطانِ، ولهذا يَخرُجُ به الإنسانُ عن اعتدالِ حالهِ ويَتكلَّمُ بالباطلِ، ويَفعَلُ المذمومَ، ويَنْوي الحِقدَ والبُغضَ، وغيرِ ذلك مِن القبائحِ المترتِّبةِ على الغضَبِ، ولم يَعلَمْ هذا الرَّجلُ أنَّ الاستعاذةَ تَدفَعُ كَيْدَ الشَّيطانِ وتُذهِبُ الغضَبَ، وهو أقْوى سِلاحٍ على دفْعِ كَيدِه.
وقيل: خَليقٌ بهذا الرَّجلِ الغضبانِ أنْ يكونَ كافرًا، أو مُنافقًا، أو غَلَبَ عليه الغضَبُ حتَّى أخْرَجَه عن الاعتدالِ، وحتَّى زَجَرَ النَّاصحَ الَّذي دلَّه على ما يُزيلُ عنه ما كان به مِن وَهَجِ الغضَبِ، وقيل: إنَّه مِن جُفاةِ الأعرابِ، وظنَّ أنَّه لا يَستعيذُ مِن الشَّيطانِ إلَّا مَن به جُنونٌ.
وفي الحديثِ: أنَّ أقوى عِلاجٍ لتَسكينِ الغضَبِ والقَضاءِ عليه؛ الاستعاذةُ باللهِ مِن الشَّيطانِ بنِيَّةٍ صادقةٍ، وعَزيمةٍ قَويَّةٍ، ويَقينٍ وإخلاصٍ.
وفيه: إثباتُ وُجودِ الشَّيطانِ وتَسلُّطِه على الإنسانِ بإثارةِ غَرائزِه، ولذلك أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالاستعاذةِ منه.
وفيه: التَّحذيرُ مِن السِّبابِ وما يُشبِهُه مِن اللَّعنِ، والتَّنفيرُ منهما؛ لأنَّها يُؤدِّيانِ إلى المفاسدِ بيْن النَّاسِ.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/150705

تحميل التصميم