أُبي بن كعب رضي الله عنه من كبار حفاظ القرآن وقرائه

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ: مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ. قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: مَنْ أَبُو زَيْدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي. (صحيح مسلم 2465)[/box]

الشرح و الإيضاح

يُخبِر أنَسُ بنُ مالِك رَضي الله عنه أنَّ أرْبَعةً مِن الأنْصارِ الكِرامِ رِضْوانُ اللهِ عَلَيهم قَد “جَمَعوا القُرآنَ”، أي: حَفِظوه واستَظهَروه، وهُم: أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، ومُعاذُ بنُ جَبَلٍ، وزَيْدُ بنُ ثابِتٍ، وأبو زَيْدٍ أَحَدُ عُمومتِه؛ قيلَ هو:سَعْدُ بنُ عُبَيد بنِ النُّعْمانِ الأوْسيُّ يُعرَفُ بِسَعْدٍ القارئِ، وقيلَ هو: قَيْسُ بنُ السَّكَنِ الخَزْرَجيُّ.
ولا يَعْني ذَلِكَ أنَّ غَيرَهم مِنْ الصَّحابةِ الكِرامِ لا يَحفَظُه؛ إذْ لَيْسَ فيه تَصْريح بأنَّ غَيْرَ الأرْبَعةِ لَم يَجمَعْه، ولَعَلَّ مُرادَهُ: أنَّ الَّذينَ يَعلَمُهم مِن الأنْصارِ أرْبَعة، فالمَعْنى نَفْيُ عِلمِه لا نَفْيَ غَيرِهم مِن القُرَّاءِ؛ وذَلِكَ أنَّه ثَبَتَ في الأحاديثِ الصَّحيحةِ أنَّ هُناكَ جَماعاتٍ مِن الصَّحابةِ رِضْوانُ اللهِ عَلَيهم حَفِظوا القُرآنَ; ومِنْ أولَئِكَ: القُرَّاءُ الَّذينَ قُتِلوا يَوْمَ اليَمامةِ وعَدَدُهم سَبْعونَ صَحابيًّا، فهؤلاءِ الَّذينَ قُتِلوا مِن جامِعيه يَومئِذٍ؛ فَكَيفَ الظَّنُّ بِمَن لَم يُقتَل مِمَّن حَضَرَها ومَن لَمْ يَحضُرْها، ومِن أولَئِك: أبو بَكْر الصِّدِّيقُ رَضي الله عنه، ويدلُّ على ذلِك اسْتِخْلافُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَه في مَرَضِه بِإمامةِ النَّاسِ وغَير ذَلِكَ. ولا يَقدَح ذَلِكَ أيضًا: في تَواتُرِ القُرآنِ؛ إذْ لَو ثَبَتَ أنَّه لَم يَجمَعْه إلَّا الأربَعةُ لَم يَقْدَح في تَواتُرِه؛ لَأنَّ أجْزاءَه قَد حَفِظَ كُلَّ جُزءٍ مِنْها خَلائِقُ لا يُحْصَوْنَ يَحْصُل التَّواتُرُ بِبَعضِهم، ولَيْسَ مِن شَرطِ التَّواتُرِ أنْ يَنقُل جَميعُهم جَميعَه، بَل إذا نَقَلَ كُلَّ جُزْءٍ عَدَدُ التَّواتُرِ صارَتِ الجُمْلةُ مُتَواتِرةً بِلا شَكٍّ.
ففي الحَديثِ: فَضيلةُ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ ومَن ذُكِرَ مَعَه في الحَديثِ؛ لِحِفظِهم لِكَلامِ اللهِ تَعالى وجَمعِه في صُدورِهم.
وفيه: تُبايِنُ مَعارِف النَّاسِ ومُيولِهم؛ فَمِنهم مَن يُوفَّقُ لِحِفظِ القُرآنِ، ومِنْهم مَن يُوفَّق لِحِفظِ الحَديثِ، ومِنهم مَن يُوفَّق ويَتَميَّز في الجِهادِ والغَزْوِ، ومِنهم مَن يُوفَّق ويَتَميَّز في الفِقْهِ والفَرائِضِ، وهَكَذا في مَجالاتِ الحَياةِ الأُخرى، فَعَلى المُسلِمِ اسْتِغْلالُ ما اسْتَودَعَ اللهُ فيه مِن مَواهِبَ وقُدُراتٍ، لِنَفْعِ نَفْسِه ومُجتَمعِه ودينِه.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/11494