الغِيبَة من شعار المنافقين وأفعالهم

قال النبي ﷺ: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ؛ لاَ تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ) (أخرجه أبو داود 4880، وصححه الألباني).
قال شمس الحق العظيم آبادي: “”فيه تنبيه على أن غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن؛ (ولا تتبعوا عوراتهم) أي: لا تجسّسوا عيوبهم ومساويهم. (يتبع الله عورته) أي: يكشف عيوبه، وهذا في الآخرة، وقيل معناه يجازيه بسوء صنيعه (يفضحه): أي يكشف مساويه (في بيته) أي: ولو كان في بيته مخفيًا من الناس”” (عون المعبود 13/153).

هل تعرف ما هو عذاب المغتاب في الآخرة؟

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ؛ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ) (أخرجه أبو داود 4878، وصححه الألباني).
قال المناوي: “”وهذا وعيدٌ شديدٌ على الغِيبَة، قال في الأذكار: والغيبة والنميمة محرمتان بإجماع المسلمين”” (فيض القدير 5/298).
(يَخْمِشُونَ) أي يخدشون وجوههم وصدورهم.

تعريف النبي ﷺ للغيبة

سأل النبي ﷺ أصحابه: (أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ). قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ). قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: (إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ) [صحيح مسلم 2589].

الغِيبَة هي ذِكْر الإنسان الغائب بما فيه من نقصٍ ممَّا يكرهه. وإذا لم يكن ذلك العيب فيه كان هذا العمل بهتانًا وهو الكذب، فيجمع المغتاب بين كبيرتين: الغِيبَة والكذب والافتراء.

الغِيبَة آفة خطيرة من آفات اللسان

قال الله تعالى: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) [الحجرات: 12]؛ شبَّه متعاطي الغِيبَة بآكل لحم أخيه الميت، إيغالاً في بيان قُبحها وشدَّة جُرمها.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
“”وكم ترى من رجلٍ متورِّع عن الفواحش والظلم، ولسانه يَفْري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يُبالي ما يقول. ولا يدري هؤلاء أنَّ كلمة واحدة يمكن أن تُحْبِط جميع أعمالهم، وتُوبِق دنياهم وأخراهم”” (الداء والدواء ص111).

الحسد قد يدعو إلى الغيبة فيجمع أمرين قبيحين

قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-:
“”ومنهم من يحمله الحسد على الغيبة؛ فيجمع بين أمرين قبيحين: الغيبة والحسد”” (مجموع الفتاوى ٢٨/٢٣٧).

لن تعطي والديك حسنة، لكنك ستعطي من اغتبته

أكثر فكرة تُرعبني يوم الحساب أني لن أُعطي أمي وأبي أيّ حسنة رغم حبي لهم..
لكنّي سأُعطي حسناتي “”رغمًا عني”” لمن كرهته! ذاك الذي اغتبته.

رجل نسي القرآن وغالب محفوظاته بسبب الوقيعة في الناس

ترجم الحافظ ابن حجر لأحد الرجال فذكر ذكاءه وعلومه، ثم قال: “”وتغيّر ذهنه في أواخر عمره، ونسي غالب محفوظاته حتى القرآن، ويقال: إن ذلك كان عقوبة له لكثرة وقيعته في الناس”” (الدرر الكامنة ٦/٢٤).

معالم قرآنية في صَرْح الأخوة

قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات / 12].
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس. وقال قتادة: كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيا. [القرطبي:١٩/٤٠٣].
فجعل جهة التحريم كونه أخاًً أخوة الإيمان، ولذلك تغلظت الغيبة بحسب حال المؤمن؛ فكلما كان أعظم إيماناً كان اغتيابه أشد. [ابن تيمية:٦/٦٢].

احذر تهديد ووعيد رسول الله ﷺ

عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: قال: قال رسول الله ﷺ: «يا معشرَ مَن آمن بلسانه ولم يدخل الإِيمانُ قَلبَهُ؛ لا تغتَابُوا المسلمين، ولا تَتَّبِعُوا عوراتِهم، فَإِنَّهُ مَن اتَّبَعَ عَوراتِهم يَتَّبِع اللهُ عورتَهُ، وَمَن يَتَّبِعِ اللهُ عورتَهُ يَفْضَحْه في بيته» (أخرجه أبو داود 4880 وصححه الألباني).

احذر مفسدات الأخوة

يقول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12].
سوء الظن من أكبر العقبات التي تحول بين ترابط المسلمين فيما بينهم.

أمسِك لسانك عن الغيبة والاستهزاء

‏يقول الحافظ ابن حجر عن أحد حُفاظ الحديث وهو الحافظ ابن سند: “‏ونسي غالب محفوظاته؛ حتى القرآن! ‏ويقال: إن ذلك كان عقوبة له؛ ‏لكثرة وقيعته في الناس” ‏ الدرر الكامنة: 6/24].