كيف يدرك المرء السعادة في صلاته؟

إن الصلاة ليست عبثًا، وليست حركات مجردة من الروح والتدبر. إنها مناجاة لله خالق السماوات والأرض ووقوف بين يديه. يجد حلاوتها مَن سعى فيها إلى الخشوع فأدركه، ويستريح فيها، ولا يستريح منها، ويسعد عندما يخاطب ربه -تبارك وتعالى-، ويعلم أن الله -عز وجل- يجيبه ويستجيب له.

من صور تواضع أبي بكر الصديق رضي الله عنه

قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: “كَانَ أَبو بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إذَا مَدَحَهُ أَحَدٌ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِي، وَأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْهُمْ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي خَيْرًا مِمَّا يَحْسَبُونَ وَاغْفِرْ لِي مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَلَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا يَقُولُونَ”. (أدب الدنيا والدين- للماوردي- ص420)

تواضع المسلم بين إخوانه

قال بكر بن عبد الله المزني رحمه الله:
“إذا رأيت من هو أكبر منك، فقل: هذا سبقني بالإيمان، والعمل الصالح، فهو خير مني، وإذا رأيت من هو أصغر منك فقل: سبقتُه إلى الذنوب والمعاصي، فهو خير مني، وإذا رأيت إخوانك يكرمونك ويعظّمونك فقل: هذا فضلٌ أُخِذوا به، وإذا رأيت منهم تقصيرًا، فقل: هذا ذنْب أحدثتُه”. [صفة الصفوة ٣/ ١٧٥، موسوعة ابن أبي الدنيا ٧/ ٥٢٧].

التكبر شَرٌّ من الشرك

قال ابن القيم رحمه الله:
“كَما أنَّ مَن تَواضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ، فَكَذَلِكَ مَن تَكَبَّرَ عَنِ الِانْقِيادِ لِلْحَقِّ أذَلَّهُ اللَّهُ ووَضَعَهُ، وصَغَّرَهُ وحَقَّرَهُ. ومَن تَكَبَّرَ عَنِ الِانْقِيادِ لِلْحَقِّ -ولَوْ جاءَهُ عَلى يَدِ صَغِيرٍ، أوْ مَن يُبْغِضُهُ أوْ يُعادِيهِ- فَإنَّما تَكَبُّرُهُ عَلى اللَّهِ؛ فَإنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ، وكَلامُهُ حَقٌّ، ودِينُهُ حَقٌّ، والحَقُّ صِفَتُهُ، ومِنهُ ولَهُ؛ فَإذا رَدَّهُ العَبْدُ وتَكَبَّرَ عَنْ قَبُولِهِ: فَإنَّما رَدَّ عَلى اللَّهِ، وتَكَبَّرَ عَلَيْهِ” (مدارج السالكين ٢/‏٣١٧)

التواضع من أخلاق الكرام

قال الشافعي رحمه الله:
“التواضع من أخلاق الكرام، والتكبر من شيم اللئام، والتواضع يُورث المحبة، والقناعة تُورث الرّاحة، وقال: أرفع الناس قدرًا مَن لا يرى قدره، وأكثرهم فضلًا من لا يرى فضله”

من تواضع عبد الله بن عمر– توجيهه لاستفتاء التابعين

قدم عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مكة فسألوه. فقال: تجمعون لي المسائل وفيكم عطاء بن أبي رباح؟ [تهذيب حلية الأولياء ٢/ ١٤].
وجاء رجل إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- فسأله عن فريضة، فقال له: ائت سعيد بن جبير فإنه أعلم بالحساب مني. [المنتظم ٦/ ٧].
فريضة: مسألة في توزيع الميراث.

من صور تواضع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

عن نافعٍ أن رجلًا قال لابن عُمر -رضي الله عنهما-: يا خيرَ الناسِ وابنَ خير الناسِ. فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عبادِ الله، أرجو الله، وأخافُه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تُهلِكُوه. [تهذيب سير أعلام النبلاء ١/ ٣٧٣].

في كل ذات كبد رطبة أجر

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “بيْنا رَجُلٌ بطَرِيقٍ، اشْتَدَّ عليه العَطَشُ، فَوَجَدَ بئْرًا، فَنَزَلَ فِيها، فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذا كَلْبٌ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرى مِنَ العَطَشِ، فَقالَ الرَّجُلُ: لقَدْ بَلَغَ هذا الكَلْبَ مِنَ العَطَشِ مِثْلُ الذي كانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلا خُفَّهُ ماءً، فَسَقى الكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وإنَّ لَنا في البَهائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقالَ: في كُلِّ ذاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ”

حقوق الطريق

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: “إِيّاكُمْ والجُلُوسَ على الطُّرُقاتِ، فَقالوا: ما لَنا بُدٌّ، إنَّما هي مَجالِسُنا نَتَحَدَّثُ فِيها، قالَ: فَإِذا أَبَيْتُمْ إِلّا المَجالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّها، قالوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ. (صحيح البخاري ٢٤٦٥).
لا يَحِلُّ إيذاءُ المُسلِمِ وإلحاقُ الضَّرَرِ به، صغيرًا كان أو كبيرًا؛ ولذلك نَهى النبيُّ ﷺ عن الجلوسِ في الطُّرُقاتِ، وينبغي لِمَنْ جَلَس في طَريقِ المسلمين أن يَغُضَّ بَصَرَه عن عَوْراتِ المارَّةِ، ويَكُفَّ أذاه عنهم وعن المسلِمين؛ باجتِنابِ الغِيبَةِ وظَنِّ السوءِ واحتِقارِ بعضِ المارِّينَ وتَضيِيقِ الطريقِ، وأن يَرُدَّ السَّلامَ على مَن يُلقِيه، ويَأمُرَ بالمعروفِ، ويَنْهى عن المُنكَرِ إذا رآه.

السلف والخوف من شبهة الاحتكار

عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ بِوَاسِطَ، فَجَهَّزَ سَفِينَةَ حِنْطَةٍ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَتَبَ إِلَى وَكِيلِهِ: بِعِ الطَّعَامَ يَوْمَ تَدْخُلِ الْبَصْرَةَ، وَلَا تُؤَخِّرْهُ إِلَى غَدٍ.
فَوَافَقَ سَعَةً فِي السِّعْرِ، فَقَالَ التُّجَّارُ لِلْوَكِيلِ: إِنْ أَخَّرْتَهُ جُمْعَةً رَبِحْتَ فِيهِ أَضْعَافَهُ.
فَأَخَّرَهُ جُمْعَةً فَرَبِحَ فِيهِ أَمْثَالَهُ، فَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِهِ بِذَلِكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الطَّعَامِ: يَا هَذَا! إِنَّا كُنَّا قَنَعْنَا بِرِبْحٍ يَسِيرٍ مَعَ سَلَامَةِ دِينِنَا، وَقَدْ جَنَيْتَ عَلَيْنَا جِنَايَةً، فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَخُذِ الْمَالَ وَتَصَدَّقْ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْبَصْرَةِ، وَلَيْتَنِي أَنْجُو مِنَ الِاحْتِكَارِ كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِيَ.
(الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي ١٩/‏٥٦).
رحمهم الله كما كانوا يرحمون الناس.