من أحوال الناس مع ربهم حال ركوب البحر واضطرابه

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [سورة يونس: 22-23].[/box]

الشرح و الإيضاح

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
أي: اللهُ هو الذي يُسَيِّرُكم في البَرِّ؛ بإقدارِه لكم على المَشيِ على أقدامِكم، وبما سَخَّرَه لكم من الدوابِّ وغَيرِها، ويُسَيِّرُكم في البَحرِ في السُّفُنِ التي يَسَّرَ لكم صُنعَها .
حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ.
أي: حتى إذا كُنتم في السُّفُنِ، وجَرَت بكم؛ بسَبَبِ ريحٍ لَيِّنةِ الهُبوِبِ، مُوافِقةٍ لرَغبتِكم، وفَرِحَ رُكَّابُ السَّفينةِ بتلك الرِّيحِ، واطمأنُّوا بها، فبينما هم كذلك إذ جاءت السَّفينةَ ريحٌ شديدةُ الهُبوبِ .
وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ.
أي: وجاء ركابَ السَّفينةِ مَوجُ البَحرِ مِن كُلِّ جانبٍ مِن جوانِبِ السَّفينةِ .
وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ.
أي: وأيقَنُوا أنَّ الهَلاكَ قد أحاط بهم، وأنهم سيَغرَقونَ في البَحرِ الهائِجِ.
دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
أي: دَعُوا اللهَ وَحْدَه أن يُنجِيَهم مِن الكَربِ، وأخلصوا له الدُّعاءَ دون آلهتِهم .
كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء: 67].
لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.
أي: وقالوا: واللهِ لَئِنْ أنجيتَنا- يا ربَّنا- من هذه الشِّدَّةِ، لنكونَنَّ مِن الشَّاكرينَ لنِعَمِك، المُطيعينَ أمْرَك، ولا نُشرِكُ بك شيئًا في عبادَتِك (29) .
عن سعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: ((لَمَّا كان يومُ فَتحِ مَكَّةَ أمَّنَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النَّاسَ، إلَّا أربعةَ نَفَرٍ وامرأتينِ، وقال: اقتُلوهم، وإن وَجَدتُموهم متعَلِّقينَ بأستارِ الكَعبةِ: عِكرمةُ بنُ أبي جَهلٍ، وعبدُ الله بنُ خطَل، ومقيسُ بنُ صُبابةَ، وعبدُ اللهِ بنُ سعدِ بن أبي السَّرحِ… وأمَّا عِكرمةُ فرَكِبَ البَحرَ، فأصابتهم عاصِفٌ، فقال أصحابُ السَّفينةِ: أخلِصوا؛ فإنَّ آلهَتَكم لا تُغني عنكم شيئًا هاهنا. فقال عكرمةُ: واللهِ لَئِنْ لم ينجِّني من البَحرِ إلَّا الإخلاصُ، لا ينَجِّيني في البَرِّ غَيرُه، اللهمَّ إنَّ لك عليَّ عَهدًا، إن أنت عافيتَني ممَّا أنا فيه، أنْ آتيَ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، حتى أضَعَ يَدي في يَدِه، فلأَجِدَنَّه عَفُوًّا كريمًا، فجاء فأسلَمَ)) .

فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ.
أي: فلمَّا أنقَذَ اللهُ رُكَّابَ السَّفينةِ أخلَفوا اللهَ ما وَعَدوه، فأشرَكوا به، وأفسَدوا في الأرضِ بالكُفرِ والظُّلمِ والمعاصي!
كما قال تعالى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا [الإسراء: 67].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم.
أي: يا أيُّها النَّاسُ إنَّما وَبالُ بَغيِكم هذا عائدٌ على أنفُسِكم في الدُّنيا والآخِرةِ، ولن تَضُرُّوا اللهَ شيئًا.
كما قال تعالى: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ [فاطر: 43].
وعن أبي بَكرةَ رَضِيَ الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما مِن ذَنبٍ أجدَرُ أن يُعَجِّلَ اللهُ لِصاحِبِه العُقوبةَ في الدُّنيا مع ما يَدَّخِرُ له في الآخرةِ، مِن البَغيِ وقَطيعةِ الرَّحِم)) .
مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
أي: تتمَتَّعونَ به مُدَّةَ حَياتِكم القصيرةِ الفانيةِ .
ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ.
أي: ثمَّ إلينا يكونُ مَصيرُكم بعد مَوتِكم، فنُخبِرُكم يومَ القيامةِ بما كُنتُم تعملونَ في الدُّنيا، ونجازيكم عليه
مصدر الشرح:
https://dorar.net/tafseer/10/9