ما هي البدعة؟ وهل تجوز؟

س: ما هي البدعة؟ وهل تجوز؟
ج- البدعة هي خلاف السُّنَّة، وهي كل ما أحدثه الناس في الدِّين، ولم يكن على عهد النبي ﷺ وأصحابه.
ولا تجوز؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ» رواه أبو داود: 4607، وصححه الألباني
وقال ﷺ: “من أحدَث في أمرِنا – أو دينِنا – هذا ما ليس فيه فهو رَدٌّ”. وفي رواية “من عمل عملاً ليس عليه غيرُ أمرِنا فهو رَدٌّ” أخرجه البخاري ٢٦٩٧، ومسلم ١٧١٨

الشرح و الإيضاح

كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خطيبًا مُفوَّهًا، ويَتبعُ في كلامِه ما يؤثِّرُ في النَّاس، وما يَعظِهم ويُبشِّرُهم ويُنذِرُهم، وكانَ يَستخدِمُ أدواتِ التَّأثيرِ الخِطابيَّةِ مِن رَفعِ الصَّوتِ وخَفضِه، واستِخدامِ حرَكةِ اليَدِ والجسَدِ، وغير ذلك، مما يَنبغي على الخُطباءِ الاقتِداءُ بهِ فيه.
وأشارَ هذا الحَديثُ إلى ما كانَ يَفعلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ “فكانَ إذا خطَبَ احمرَّتْ عَيناهُ، وعَلا صَوتُهُ، واشتدَّ غضَبُه”، وهذا يَعني أنَّه كانَ يتفاعَلُ مع مَوضوعِ الخُطبَةِ فيَحدُثُ له هذا، “حتَّى كأنَّه مُنذِرُ جَيشٍ”، ومُنذِزُ الجَيشِ هو: مَن يُراقِبُ العدوَّ ويُخبِرُ النَّاسَ، بأَحوالِه ليَستعِدُّوا، فكانتْ عِظَةُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على هذه الصُّورَةِ، وذلكَ من حرصِه على النَّاس، وإنذارِهِم مِنَ الآخرَةِ وعدمِ الاستِعداد لها، فكأنَّه يُحذِّرُهم مِن ظُهورِ جَيشٍ عادٍ علَيهِم يأتي إلَيهِم صَباحًا أو مَساءً، ويقولُ: ((بُعِثتُ أنا والسَّاعةُ كهاتَينِ، ويَقْرِنُ بينَ إصبعَيهِ السَّبَّابة والوُسْطى))، فهوَ آخرُ الأَنبياءِ بينَ يدَي السَّاعَةِ، ولذا فهوَ مِن عَلاماتِ قُربِ السَّاعَةِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فلم يبْقَ بعدَ بعثتِه إلا وقتٌ أقلُّ ممَّا مَضى على قيامِ السَّاعَةِ.
أمَّا عندَ بِدايَةِ الخُطبَةِ فكانَ يَقولُ: ((أمَّا بعدُ؛ فإنَّ خيرَ الحَديثِ كتابُ اللهِ)) فما مِن كَلامٍ إلا وكَلامُ اللهِ خيرٌ منهُ، وكلامُ اللهِ هوَ القُرآنُ الكَريمُ، ((وخيرَ الهدْيِ هَدْيُ مُحمَّدٍ))، والهدْيُ هوَ السِّيرَةُ والسَّمتُ، فما مِن اتِّباعِ طَريقٍ وسَبيلٍ إلا وطَريقُ النَّبيِّ خيرٌ مِنهُ، فيَجبُ اتِّباعُ طريقِه وسيرتِه وسَمتِه، ((وشرَّ الأُمورِ مُحدَثاتُها، وكلَّ بِدعَةٍ ضَلالةٌ))، أي: وكلَّ اختراعٍ في الدِّينِ مِن كيفيَّةٍ لم يَفعلْها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه، فهيَ ضَلالٌ ومَيلٌ وبعْدٌ عن طَريقِ النَّبيِّ وليسَتْ مِن الهُدى والرَّشادِ الذي جاءَ بِهِ، ثمَّ يَقولُ: ((أنا أَولى بكلِّ مُؤمِنٍ مِن نَفسِه))، أي: أنا أَولى بهِ مِن نفسِه في رعايتِه وهِدايَتِه، ((مَن ترَكَ مالاً فلأَهلِه، ومَن ترَكَ دَينًا أو ضياعًا))؛ مِن أَطفال وأناس يعولُهم، ((فإليَّ وعليَّ))، فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقضي عنهُ ذلكَ الدَّينَ ويَرعى مَن يَعولُ، وهذا مِن حسْنِ أَخلاقِ النَّبيِّ ومُؤازرتِه للمُسلِمينَ وحرصِه على عدَمِ ضَياعِهم.
وفي روايَةٍ: كانتْ خطبَةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ الجُمُعَةِ “يَحمدُ اللهَ ويُثني علَيهِ”، فكأنَّه يَعني الحمْدَ والثَّناءَ الذي يَذكُرُه في خطبَةِ الحاجَةِ التي علَّمها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأَصحابِه، وهيَ أن يقولَ: ((إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونَستعينُه، مَن يَهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ، ومَن يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ مُحمَّدًا عبدُهُ ورَسولُهُ)).
وهذا الحَمدُ والثَّناءُ يصحُّ في بدايَةِ كلِّ خطبَةٍ.
ثمَّ يقولُ على إثْرِ ذلكَ، وقد عَلا صوتُه، ثمَّ ساقَ الحَديثَ “بمثْلِهِ” يَعني: بما مرَّ وتمَّ شَرحُه.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على اتِّباعِ هدْي النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الخُطبَةِ.
وفيه: تَنبيهُ الخَطيبِ إلى التفاعُلِ معَ الخُطبَةِ للتَّأثير في النَّاس.
وفيه: البِدايَةُ بالحَمدِ والثَّناءِ على اللهِ في الخُطبَةِ.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/23492

أكمَلَ اللهُ الدِّينَ وأتَمَّ النِّعمةَ على عِبادِه، وَواجبٌ على المُسلمِ أنْ يَحرِصَ على الاتِّباعِ والوقوفِ على مُرادِ اللهِ عزَّ وجلَّ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَدْرِ وُسعِه وطاقتِه، وألَّا يُحدِثَ ويَبتدِعَ في دِينِ اللهِ شَيئًا مِن عندِ نفْسِه.
فمَن اخترَعَ في الدِّينِ ما لا يَشهَدُ له أصلٌ مِن أصولِهِ، فلا يُلتفَتُ إلَيهِ، وهذا ما أخْبَرَنا به الرَّسولُ الكَريمُ في هذا الحديثِ، حيثُ قالَ: «مَن أحدَثَ في» أمْرِ الدِّينِ، باختِراعِ شَيءٍ لم يكُنْ مَوجودًا، «ما ليسَ فيهِ»، فليسَ له أَصْلٌ مِنَ القُرآنِ الكَريمِ أو سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ، ولا يَندرِجُ تحْتَ حكْمٍ فيهما أو يَتعارَضُ مع أحكامِها؛ «فهو ردٌّ»، أي: مَردودٌ عليه، ومُعناه: فهو باطلٌ غيرُ مُعتدٍّ بهِ.
وهذا الحديثُ قاعدةٌ عَظيمةٌ مِن قَواعدِ الإسلامِ، وهو مِن جَوامعِ كَلِمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّه صَريحٌ في ردِّ كلِّ البِدَعِ والمختَرَعاتِ وإبطالِ المنكَراتِ الخارجةِ عن أُصولِ الدِّينِ.
وفي الحَديثِ: الأمرُ باتِّباعِ سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ والالتِزامِ بها، والنَّهيُ عن كُلِّ بِدْعةٍ في دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: أنَّ المِقياسَ في كَونِ الشَّيءِ مُحدَثًا أو غيرَ مُحدَثٍ؛ هو أُصولُ الدِّينِ مِن القرآنِ والسُّنةِ.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/23536

تحميل التصميم