في القرآن الكريم تسع آيات متتاليات وأول كل آية فيها: قال

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: في كتاب الله تسع آيات متتاليات وأول كل آية فيها: (قال) في سورة الشعراء: قال الله تعالى: { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [سورة الشعراء: 23-31]. [فنون الأفنان لابن الجوزي].[/box]

الشرح والإيضاح

﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ﴾ [الشعراء ٢٣]
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ وهذا إنكار منه لربه، ظلما وعلوا، مع تيقن صحة ما دعاه إليه موسى،﴿قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ [الشعراء ٢٤]
قال: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
أي: الذي خلق العالم العلوي والسفلي، ودبره بأنواع التدبير، ورباه بأنواع التربية. ومن جملة ذلك، أنتم أيها المخاطبون، فكيف تنكرون خالق المخلوقات، وفاطر الأرض والسماوات إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴿قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُۥۤ أَلَا تَسْتَمِعُونَ﴾ [الشعراء ٢٥]
فقال فرعون متجرهما، ومعجبا لقومه: أَلا تَسْتَمِعُونَ ما يقول هذا الرجل﴿قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلْأَوَّلِينَ﴾ [الشعراء ٢٦]
فقال موسى: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ تعجبتم أم لا استكبرتم، أم أذعنتم.﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء ٢٧]
فقال فرعون معاندا للحق، قادحا بمن جاء به: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ حيث قال خلاف ما نحن عليه، وخالفنا فيما ذهبنا إليه، فالعقل عنده وأهل العقل، من زعموا أنهم لم يخلقوا، أو أن السماوات والأرض، ما زالتا موجودتين من غير موجد وأنهم، بأنفسهم، خلقوا من غير خالق، والعقل عنده، أن يعبد المخلوق الناقص، من جميع الوجوه، والجنون عنده، أن يثبت الرب الخالق للعالم العلوي والسفلي، والمنعم بالنعم الظاهرة والباطنة، ويدعو إلى عبادته، وزين لقومه هذا القول، وكانوا سفهاء الأحلام، خفيفي العقول فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴿قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الشعراء ٢٨]
فقال موسى عليه السلام، مجيبا لإنكار فرعون وتعطيله لرب العالمين: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا.
من سائر المخلوقات إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فقد أديت لكم من البيان والتبيين، ما يفهمه كل من له أدنى مسكة من عقل، فما بالكم تتجاهلون فيما أخاطبكم به؟ وفيه إيماء وتنبيه إلى أن الذي رميتم به موسى من الجنون، أنه داؤكم فرميتم أزكى الخلق عقلا وأكملهم علما، بالجنون، والحال أنكم أنتم المجانين، حيث ذهبت عقولكم لإنكار أظهر الموجودات، خالق الأرض والسماوات وما بينهما، فإذا جحدتموه، فأي شيء تثبتون؟ وإذا جهلتموه، فأي شيء تعلمون؟ وإذا لم تؤمنوا به وبآياته، فبأي شيء – بعد الله وآياته – تؤمنون؟ تالله، إن المجانين الذين بمنزلة البهائم، أعقل منكم، وإن الأنعام السارحة، أهدى منكم.﴿قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء ٢٩]
فلما خنقت فرعون الحجة، وعجزت قدرته وبيانه عن المعارضة قَالَ متوعدا لموسى بسلطانه لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ زعم – قبحه الله – أنه قد طمع في إضلال موسى، وأن لا يتخذ إلها غيره، وإلا فقد تقرر أنه هو ومن معه، على بصيرة من أمرهم.﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء ٣٠]
فقال له موسى: أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ أي: آية ظاهرة جلية، على صحة ما جئت به، من خوارق العادات.﴿قَالَ فَأْتِ بِهِۦۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ﴾ [الشعراء ٣١]
قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ [الشعراء ٣٢]
فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ أي: ذكر الحيات، مُبِينٌ ظاهر لكل أحد، لا خيال، ولا تشبيه.﴿وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ﴾ [الشعراء ٣٣]
وَنَزَعَ يَدَهُ من جيبه فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ أي: لها نور عظيم، لا نقص فيه لمن نظر إليها
مصدر الشرح:
https://tafsir.app/saadi/26/33