عظِّم الله في قلبك لتنال بركات القرآن

قال تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آَبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ الأنعام:91

﴿وما قدروا الله حق قدره﴾ أي: ما عرفوه حق معرفته في اللطف بعباده والرحمة لهم؛ إذ أنكروا بعثه للرسل، وإنزاله للكتب. والقائلون هم اليهود؛ بدليل ما بعده، وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار نبوة محمد ﷺ.

ابن جزي:١/٢٧٨

الشرح والإيضاح

(وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ).
أي: وما أَجَلَّوا اللهَ تعالى حَقَّ إجلالِه، ولا عَظَّموه حقَّ تَعظيمِه، ولا عَرَفوه حقَّ مَعرِفَتِه؛ حين قالوا: لم يُنْزِلِ اللهُ على آدَمِيٍّ كتابًا ولا وَحْيًا؛ فهذا قَدْحٌ في حِكمَتِه، لا يليقُ به، وزعْمٌ بأنَّه يترُكُ عِبادَه سُدًى، لا يأمُرُهم ولا ينهاهم، ولا يجازِيهم، ونَفْيٌ لأعظَمِ نِعمةٍ امتَنَّ اللهُ بها على عبادِه، وهي نعمةُ الرِّسالَةِ، التي لا طريقَ للعبادِ إلى نَيْلِ السَّعادةِ والفلاحِ إلَّا بها.
(قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ).
أي: قل- يا محمَّدُ-: مَن أنزَلَ التوراةَ التي جاء بها موسى جَلاءً وضِياءً مِن ظُلْمةِ الضَّلالاتِ والشُّبُهاتِ، وهاديًا للنَّاسِ إلى الصِّراطِ المُسْتقيمِ، عِلْمًا وعَمَلًا بالصَّالحاتِ؟
(تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا).
أي: تَجعلونَ التَّوراةَ قِطَعًا تَنْسَخونها بأيديكم، وتَتصَرَّفونَ فيها بما شِئْتم؛ فما وافَقَ أهواءَكم منها أَظْهَرْتموه، وما خالَفَ ذلك أَخْفَيْتُموه وكَتَمتُموه، ومِمَّا كَتَمُوه أمْرُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ونبوَّتِه.
(وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ).
أي: وعلَّمَكم الله عزَّ وجلَّ بواسطةِ القرآنِ العَظيمِ ما لم تكونوا تَعلمونَه أنتم، ولم يَعْلَمْه آباؤُكم؛ كأخبارِ ما سَبَقَكم، وأنباءِ ما يأتي بَعدَكم.
ثم أمَره اللهُ أن يقولَ لهم؛ جوابًا عن سؤالِه لهم: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ:
(قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ).
أي: قلْ- يا محمَّدُ-: اللهُ أَنزَلَه على موسى، ثمَّ بعدَ أنْ تُفْحِمَهم بذلك، دَعْهُم فيما يخوضونَ فيه مِن باطِلِهم وكُفْرِهم باللهِ وآياتِه يستهزِئونَ ويَسخرونَ؛ فإنِّي مِن ورائِهم بالْمِرصادِ؛ أُذيقُهم بَأْسِي، وأُحِلُّ بهم سَخَطي.
المصدر:
https://dorar.net/tafseer/6/23

تحميل التصميم