حال المؤمن عند إخراج الزكاة أو الصدقة

قال تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ البقرة: 265.
أي: يُخْرِجون الزكاة طيبةً بها أنفسهم على يقين بالثواب، وتصديق بوعد الله، يعلمون أن ما أخرجوا خير لهم مما تركوا، وقيل: على يقين بإخلاف الله عليهم.

تفسير البغوي: ١/٢٨٦.

الشرح والإيضاح

(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ). أي: ضرب الله تعالى مثلًا لصِنفٍ آخرَ من المنفِقين، وهم الذين يُنفِقون أموالَهم صدقةً في أوجه الخير والبِرِّ التي يُحبُّها الله تعالى، كالجهاد في سبيله؛ دون منٍّ أو أذًى، وإنَّما طلبًا لنيل رِضوان الله عزَّ وجلَّ، وقد أَقدَموا صادِقين على البذل من جِهة أنفسهم، لم يَحمِلهم أحدٌ على القيام بذلك، فأنفقوا بعزائمَ قويَّة، مُتحقِّقين ومُوقِنين بوعد الله تعالى على إثابته المنفقين، فلا يَتقاعَسون أو يتردَّدون في الإنفاق، ولا يَشُكُّون بوعْد الله سبحانه على الثَّواب. (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ). أي: إنَّ نفقة أولئك المنفقين المخلِصين الصادقين، المصدِّقين بوعد ربِّ العالمين، تُشْبِه بُستانًا غزيرَ الأشجار والظِّلال، تُغطِّي ما فيه من كَثْرتها، وهو على مكانٍ مُرتفِع من الأرض فكان خصيبًا جدًّا؛ لأنَّه لَمَّا ارتَفع عن مجرى المسايل والأودية كانتْ أرضه أغلظَ، فكان أحسنَ وأزكى ثمرًا وغرسًا وزرعًا، كما أنَّه بارتفاعه يكون مُعرَّضًا أكثرَ للأهوية والرياح، وبائنًا للشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها، فيكون أنضج ثمرًا وأطيبه وأحسنه وأكثره كذلك، وسَقْيه إنَّما يأتي من السَّماء، فإمَّا أنْ يتعرَّض لمطرٍ غزير، فيتضاعف إنتاجُ ثمرِه مرَّتين، الأصل ومثله معه، أو يُصيبه مطرٌ خفيف، كالرَّذاذ، فإنَّه يَكفيه ليُؤتي ثمارَه مضاعفةً؛ بسبب كَرَم مَنْبته وطِيب مَغرَسه، فهذه الجنَّة لا يُعدَم منها حصولُ الخير بحالٍ من الأحوال. فكذلك المؤمن المنفِق يُضاعِفُ الله تعالى صدقتَه قلَّت أو كَثُرت، فلا تَبور أبدًا، فإذا كان قصدُه مرضاة الله عزَّ وجلَّ والتثبيت من نفسه، فهي زاكيةٌ عند الله تعالى، وناميةٌ في جميع الأحوال. (وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). أي: إنَّ ما تَعمَلونه- أيُّها النَّاس- من الإنفاق وغيره، هو بمَرْأًى مِن الله تعالى، لا يَخْفى عليه، فإنَّه يرى ويعلم مَن المُنفِق منكم بالمنِّ والأذى، ومَن المُنفِق ابتغاءَ مرضاة الله، وتثبيتًا من نفسه، فيُحصي عليكم ذلك وغيرَه من أعمالكم، حتى يُجازيكم عليها، إنْ خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. المصدر: https://dorar.net/tafseer/2/45

تحميل التصميم