الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
فإنَّ الصدقة تفدي العبد من عذاب الله تعالى، فإنَّ ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه فتجيء الصدقة تفديه من العذاب وتفكه منه. ولهذا قـال النبي ﷺ لما خطب النساء يوم العيد: «يا معشرَ النِّساءِ تصدَّقنَ ولو من حُليِّكُنَّ فإنِّي رأيتُكنَّ أَكثرَ أَهلِ النّارِ»، وكأنه حثَّهن ورغَّبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار.

[الوابل الصيب من الكلم الطيب، ص٣٢].

الشرح والإيضاح

في هذا الحديثِ يَأْمُرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيقول: “يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ، وَأَكْثِرْنَ الاستغفارَ”، أي: يا جماعةَ النِّساءِ، أَخْرِجْنَ الصَّدَقاتِ، واستغفِرْنَ اللهَ من ذُنُوبِكُنَّ كثيرًا، وعِلَّةُ ذلك أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رآهُنَّ “أَكْثَرَ أهلِ النَّارِ”، فقالتِ امْرأةٌ منهُنَّ: “جَزْلَةٌ”، أي: ذَاتُ عَقْلٍ ورأيٍ، “وما لنا يا رسولَ الله، أَكْثَرَ أهلِ النَّارِ؟” أي: بِمَ اسْتَحْقَقْنَا ذلك؟ فبيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم السَّبَبَ بأنَّهُنَّ يُكْثِرْنَ “اللَّعْنَ”، أي: يُكْثِرْنَ الدُّعاءَ بالإبعادِ والطَّردِ من رَحْمةِ اللهِ، و”يَكْفُرْنَ العَشِيرَ”، أي: لا يَشْكُرْنَ أزواجَهُنَّ، ولا يَعْتَرِفْنَ بِفضلِهم، وقد فسَّره الشَّارعُ بقوله في روايةٍ أُخرى: “لو أحسنتَ إلى إحداهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّه” لجازت ذلك الإحسانَ بالجُحودِ والإنكارِ، فقدْ غَلَبَ استيلاءُ الكُفْرانِ على فِعْلِهَا، فكأنَّها مُصِرَّةٌ عليه، والإصرارُ يَجعلُ الذَّنْبَ اليَسِيرَ كبيرًا، وذلك أنَّ حَقَّ الزَّوْجِ عظيمٌ، فَيَجِبُ عليها شُكْرُه، والاعترافُ بِفضلِهِ؛ لِقِيامِه على أُمورِها، وصيانتِهِ وحِفْظِه لها، وبَذْلِ نَفْسِهِ في ذلك، وقد أَمَرَ اللهُ مَنْ أُسْدِيَتْ إليه نِعمةٌ أنْ يَشكرَها؛ فكيف بِنِعَمِ الزَّوجِ التي تُسْبِغُ المرأةَ في عُمُرِها كُلِّهِ، ثمَّ يُؤكِّدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حقيقةَ أنَّ النِّساءَ “ناقصات عَقْلٍ وَدِينٍ”، وأنَّهُنَّ قادراتٌ على أنْ يَذْهَبْنَ بـ”لُبِّ”، أي: عَقْلِ الحازمِ، والمُرادُ كمالُ العقلِ، وقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “فهذا نُقْصَانُ العقلِ”، أي: هذا علامةُ نُقصانِهِ، “فشَهادةُ امرأتين تَعْدِلُ شَهادةَ رَجُلٍ”، تنبيهٌ منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على ما وراءه، وهو ما نبَّه الله تعالى عليه في كِتابِهِ بِقَوْلِهِ تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى } [البقرة: 282]، أي: إنَّهُنَّ لا يُحْسِنَّ تَذَكُّرَ الكلامِ، ولا ضَبْطَهُ، و”تَمْكُثُ اللَّياليَ ما تُصلِّي”، أي: تمكث لياليَ وأيامًا لا تُصلِّي؛ بِسَبَبِ الحَيْضِ، وتُفْطِرُ أيَّامًا مِنْ رمضانَ؛ بِسَبَبِ الحَيْضِ.
وفي الحديث: مُراجَعةُ المُتَعَلِّمِ للعالِمِ، والتَّابعِ للمَتبوعِ، فيما قاله، إذا لم يَظْهَرْ له معناه؛ كمراجعةِ هذه الجَزْلَةِ رضِي الله عنها .
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/26698

تحميل التصميم