الإيمان وسلامة الصدر طريق النجاة

عن عبدالله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله ﷺ: “فمَن أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النّارِ، وَيُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهو يُؤْمِنُ باللَّهِ والْيَومِ الآخِرِ، وَلْيَأْتِ إلى النّاسِ الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتى إلَيْهِ” صحيح مسلم ١٨٤٤ “فلتأتِهِ مَنِيَّتُهُ”، أي: الموتُ وهو يُؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ، وذلك بالمُداوَمةِ على الإيمانِ حتَّى يأتِيَهِ الموتُ. “ولْيأتِ إلى الناسِ الذي يُحبُّ أنْ يُؤتَى إليه”، أي: يعاملُ الناسَ في كلِّ أُمورِه بما يُحِبُّ أن يُعامِله الناسُ بِه.

الشرح و الإيضاح

في هذا الحديثِ يَحكي عبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ ربِّ الكَعْبَةِ أنَّه دَخلَ المجلِسَ فإذا عبدُ الله بنُ عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما جالسٌ في ظِلِّ الكَعبةِ والنَّاسُ مُجتمِعُونَ حولَهُ فَذهبَ إليهم. فقال عبدُ الله بنُ عَمْرٍو رَضِيَ الله عنهما: كُنَّا مع رسولِ الله في سَفَرٍ، فَنزلْنا مَنْزِلًا: وهو مَوْضِعُ النُّزولِ؛ فمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِباءَهُ- وهو الخَيْمَةُ وما يُشْبهها، وكان يُصْنَعُ من صُوفٍ أو وَبَرٍ، ومِنَّا مَنْ يَنْتَضِلُ، أي: يَرمي بالسِّهامِ تَدرُّبًا ومُداوَمةً. ومِنَّا مَنْ هو في جَشَرِهِ، وهي: الدَّوابُّ الَّتي تُرعى ثمَّ تَبِيتُ في مَكانِها، يُرِيد أنَّهم أخرَجوا دَوابَّهُم منَ الْمَنْزِلِ الَّذِي نَزلوه لِتَرعى إذْ نادى مُنادي رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الصَّلاةُ جامِعةٌ، أي: هِيَ حاضِرةٌ، فاجْتَمَعنا إلى رسولِ الله، فقال: إنَّه لمْ يوجَدْ نَبِيٌّ قَبْلي إلَّا إنْ كان واجِبًا عليه أنْ يَدُلَّ أُمَّته على خيرِ ما يعلَمُهُ لهم ويُنْذِرَهم شَرَّ ما يعلَمُهُ لهم. وإنَّ أُمَّتكم هذِهِ- يعني أُمَّةَ الإسلامِ- جُعِلَ عافِيَتُها، أي: سلامَتُها منَ الفِتنِ في أوَّلِها وهو زمنُ الخُلفاءِ الثَّلاثةِ إلى قتلِ عُثْمَانَ، ويَحتَمِلُ أنْ يُرادَ بالأوَّلِ زَمنُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ وبالآخِرِ ما بَعدهُما، وسيُصيبُ آخِرَها بَلاءٌ، أي: مِحْنَةٌ ومُصيبةٌ وأُمورٌ تُنْكِرونها؛ وذلك لأنَّها تُخالِفُ الشَّرعَ وتَجيءُ فِتَنٌ يُرَقِّقُ بعضُها بعضًا، أي: يَصيرُ بعضُها خَفيفًا لعِظَمِ ما بعدهُ، وتَجيءُ الفِتنةُ، أي: العَظيمةُ في الدِّينِ فَيقولُ المُؤمنُ: هذه مُهْلِكَتِي، أي: السَّببُ في هَلاكي، ثمَّ تَذهبُ، وتَجِيءُ بعدَها فِتنةٌ أُخرى فَيقولُ المُؤمنُ: هذه هذه، أي: هذه الفِتنةُ هي الفِتنةُ العُظْمَى. ثمَّ قال: فمَنْ أحَبَّ أنْ يُخْرِجَ نفسَهُ مِنَ النَّارِ ويَدخلَ الجنَّةَ فلتأتِهِ مَنِيَّتُهُ، أي: الموتُ وهو يُؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ، وذلك بالمُداوَمةِ على الإيمانِ حتَّى يأتِيَهِ الموتُ، ولْيأتِ إلى الناسِ الذي يُحبُّ أنْ يُؤتَى إليه، أي: يعاملُ الناسَ في كلِّ أُمورِه بما يُحِبُّ أن يُعامِله الناسُ بِه. ومَنْ بايعَ إمامًا فأعطاهُ صَفْقَةَ يدهِ، والصَّفْقَةُ ضَرْبُ اليدِ على اليدِ وكانتْ عادةَ العربِ، وثَمرةَ قَلبهِ، فليُطِعْهُ إن اسْتطاعَ، أي: فيما يُطيقهُ، فإنْ جاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، أي: خرجَ عنْ طاعتهِ ونازعهُ في المُلكِ، فاضْرِبوا عُنُقَ الآخَرِ، ولو بأنْ تُحارِبوه وتُقَاتِلُوه؛ فاقْتربَ عبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ رَبِّ الكَعبةِ منْ عبدِ الله بنِ عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما وقال له: أنْشُدُكَ الله، أي: أسألكَ بالله أأنت سَمِعْتَ هذا الحَديثَ منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَأهْوَى إلى أُذُنيهِ وقَلبهِ بيَدَيْهِ وقال: سَمِعَتْهُ أُذُنايَ وَوَعَاهُ قَلبي، أي: حَفِظَهُ، فَقلتُ له: هذا ابنُ عَمِّكَ مُعَاوِيَةُ يأمُرُنا أنْ نأكُلَ أموالَنا بينَنَا بالباطلِ، ونقتُلَ أنْفُسَنا، والله يقولُ: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} النساء:29؛ وذلكَ اعْتِقادًا من ابنِ عبدِ رَبِّ الكَعبةِ أنَّ هذا الوصفَ في مُعَاوِيَةَ لمُنازَعَتِهِ عَليًّا رضِيَ اللهُ عنه وكانتْ قدْ سَبقتْ بَيْعَةُ عَليٍّ، فَرأى هذا أنَّ نَفقةَ مُعَاوِيَةَ على أجْنَادِهِ وأتباعِهِ في حربِ عَليٍّ، وَمُنازعتَه ومُقاتَلتَه إيَّاهُ منْ أكلِ المالِ بالباطلِ ومِنْ قَتْلِ النَّفْسِ؛ لأنَّه قِتالٌ بغيرِ حَقٍّ فلا يَسْتَحِقُّ أحدٌ مالًا في مُقاتلتِهِ. فَسكتَ عبدُ الله بنُ عَمْرٍو رضِيَ اللهُ عنهما ساعةً ثُمَّ قال: أطِعْهُ في طاعةِ الله، أي: إذا ما أطاعَ الله. وَاعْصِهِ في مَعصيةِ الله، أي: ولا تُطِعْهُ إذا ما عَصى اللهَ أو أمرَ بِمعصيَتِهِ.
في الحَديثِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُوتِيَ جَوامِعَ الكَلِمِ وَبَدَائِعَ الحِكَمِ.
وفيه: طاعةُ الإمامِ وقِتالُ مَنْ خَرَجَ عليه.
وفيه: اخْتِلافُ الأفهامِ في تَوجيهِ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ؛ فلذلك يَجِبُ رَدُّ الأمرِ إلى العُلماءِ
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/23379

تحميل التصميم