أثر الرقية والاستشفاء بسورة الفاتحة من الأمراض

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِن أَصْحابِ النبيِّ ﷺ في سَفْرَةٍ سافَرُوها، حتّى نَزَلُوا على حَيٍّ مِن أَحْياءِ العَرَبِ، فاسْتَضافُوهُمْ فأبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذلكَ الحَيِّ، فَسَعَوْا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ شيءٌ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: لو أَتَيْتُمْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا، لَعَلَّهُ أَنْ يَكونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شيءٌ، فأتَوْهُمْ، فَقالوا: يا أَيُّها الرَّهْطُ إنَّ سَيِّدَنا لُدِغَ، وَسَعَيْنا له بكُلِّ شيءٍ لا يَنْفَعُهُ، فَهلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنكُم مِن شيءٍ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ، واللَّهِ إنِّي لَأَرْقِي، وَلَكِنْ واللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْناكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونا، فَما أَنا براقٍ لَكُمْ حتّى تَجْعَلُوا لَنا جُعْلًا، فَصالَحُوهُمْ على قَطِيعٍ مِنَ الغَنَمِ، فانْطَلَقَ يَتْفِلُ عليه، وَيَقْرَأُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ(؛ فَكَأنَّما نُشِطَ مِن عِقالٍ، فانْطَلَقَ يَمْشِي وَما به قَلَبَةٌ، قالَ: فأوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الذي صالَحُوهُمْ عليه، فَقالَ بَعْضُهُمْ: اقْسِمُوا، فَقالَ الذي رَقى: لا تَفْعَلُوا حتّى نَأْتِيَ النبيَّ ﷺ فَنَذْكُرَ له الذي كانَ، فَنَنْظُرَ ما يَأْمُرُنا، فَقَدِمُوا على رَسولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرُوا له، فَقالَ: وَما يُدْرِيكَ أنَّها رُقْيَةٌ، ثُمَّ قالَ: قدْ أَصَبْتُمْ””. (صحيح البخاري ٢٢٧٦). قال الحافظ ابن القيم -رحمه الله-: “”ولقد مَرَّ بي وقتٌ بمكة سقمتُ فيه، وفقدتُ الطبيب والدواء، فكنت أتعالج بسورة الفاتحة، آخذ شربة من ماء زمزم وأقرؤها عليها مرارًا، ثم أشربه فوجدت بذلك البُرْء التام، ثم صرتُ أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع”” (زاد المعاد 4/164).[/box]

الشرح و الإيضاح

انطلَق جماعةٌ مِن الصَّحابةِ منهم أبو سعيدٍ رضِي اللهُ عنه في سَفْرَةٍ سافَرُوها، فمَرُّوا أثناء سفرِهم على قبيلة، فسألُوهم الضِّيافةَ المعتادة، فامتنَعوا عن ضيافتِهم، فبينما هم في دِيارِهم، إذا برئيس القبيلة تَلسَعُه عَقْرَبٌ فيتسمَّمُ جسمُه، وتشتدُّ عليه آلامُه، فيُحاوِلونَ علاجَه بشتَّى الوسائل، فيَفشَلونَ في ذلك، فيَلجَؤونَ إلى هؤلاء الجماعةِ مِن الصَّحابةِ فيَسألونَهم معالجةَ رئيسِهم إنْ كان لديهم شيءٌ ينفَعُه ويُخلِّصُه ممَّا هو فيه، فقال أحدُهم: أنا أُعالِجُه بالرُّقيةِ بشَرْطِ أنْ تُعطُونا أُجرةً على علاجِه؛ لأنَّكم بَخِلْتُم علينا بالضِّيافة، فاتَّفَقُوا معه على قطيعٍ من الغَنَمِ يُدفَعُ إليهم مُقابلَ علاجِهم لمريضِهم، فذهَب إلى المريض، وأخَذ يَتْفِلُ عليه، ويَرْقِيهِ بفاتحة الكِتاب، أي: يَتْفِلُ عليه مِن رِيقِهِ مصحوبًا بالقراءةِ، قال أبو سعيد رضِي اللهُ عنه: فكأنَّما “نُشِطَ مِن عِقَالٍ”، أي: فشُفِيَ المريضُ في الحال، وانقطعتْ آلامُه فورًا كأنَّما كان مربوطًا بحبلٍ وأُطلِقَ منه، فانطلق يَمْشي وما به قَلَبَةٌ، أي: داءٌ وعِلةٌ؛ سُمِّي به لأنَّ صاحبَه يُقلَب مِن أجْلِه؛ ليُعلَمَ مَوضِعُ الدَّاءِ مِنه، فأَعطَوْهم قطيعًا من الغَنمِ الذي تعاقَدوا معهم عليه، فقال بعضُ الصَّحابة: نَقسِمُ هذا القطيعَ بيننا، ونأكُلُه، فقال أبو سعيد رضِي اللهُ عنه: لا تتصرَّفوا فيه حتَّى نَصِلَ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونُخبِره بما وقَع لنا، ونَسألَه عن حُكمِه، ونفعل ما يأمُرُنا به، فلمَّا قدِموا إليه، أخبَروه بالقصَّة، فقال له النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: وما يُدريك أنَّها رُقْية؟ أي: ما يُدريك أنَّ الفاتحة رُقيةٌ عظيمة، وشفاءٌ من الأَدْواءِ والأَسْقام؟ قد أَصبتُم، أي: قد وُفِّقْتُم فيما أُلهِمتُم به وفي علاجِكم لهذا الرَّجلِ اللَّديغِ؛ حيث كنتُم سببًا في نجاتِه، ثمَّ أمَرَهم أنْ يَقسِموا تلك الأغنامَ، وشارَكَهم فيها صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي الحديثِ: الرُّقيةُ بِشَيْءٍ مِن كتابِ الله تعالى، وأنَّ سُورةَ الفاتِحَةِ فيها شِفَاءٌ؛ ولِهَذا مِن أسمائِها (الشَّافية).
وفيه: أخْذُ الأُجرَةِ على الرُّقيةِ.
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/11307