مثل لتوضيح حال الدنيا في سرعة انقضائها وانقراض نعيمها

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال ربنا الملك الحق: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة يونس: 24]. قال الإمام البقاعي رحمه الله “”فكان حال الدنيا في سرعة انقضائها، وانقراض نعيمها بعد عظيم إقباله؛ كحال نبات الأرض في جفافه، وذهابه حطامًا بعد ما التف وزيَّن الأرض بخضرته وألوانه وبهجته””. [نظم الدرر:٣/٤٣٣][/box]

الشرح و الإيضاح

إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء.
أي: إنَّما مَثَلُ زِينةِ الحياةِ الدُّنيا في سُرعةِ زَوالِها، كمَثَلِ مَطرٍ أنزلناه من السَّماءِ إلى الأرضِ .
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ.
أي: فنَبَتَ بذلك المطَرِ أنواعٌ مِن نَباتِ الأرضِ مُتداخِلٌ بعضُها في بعضٍممَّا يأكُلُه النَّاسُ من الحُبوبِ والثِّمارِ والبُقولِ، وممَّا تأكُلُه الأنعامُ مِن الكَلأِ والعُشبِ.
حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ.
أي: حتَّى إذا ظهَرَ حُسنُ الأرضِ بألوانِ النَّباتِ المُختَلفةِ، وتزيَّنَت بأنواعِ الحُبوبِ والثِّمارِ والأزهارِ المتعدِّدةِ الأشكالِ والألوانِ.
كما قال تعالى: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج: 5].
وقال سُبحانه: وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ *وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق: 7 – 10].
وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ.
أي: وأيقَنَ أهلُ الأرضِ- الذين زَرَعوها وغَرَسوها- أنَّهم قادِرونَ على حَصدِ زَرعِها، وقَطْفِ ثِمارِها .
أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ.
أي: جاء الأرضَ قضاؤُنا بإهلاكِ نَباتِها فجأةً؛ إمَّا ليلًا أو نهارًا، فصيَّرْنا النَّباتَ مَقلوعًا هالِكًا، كأنْ لم يكُنْ قائمًا على ظَهرِ الأرضِ يُزَيِّنُها بجمالِه مِن قَبلُ !
كما قال تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ [الكهف: 45].
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.
أي: كما بيَّنَّا لكم- أيُّها النَّاسُ- مَثَلَ الدُّنيا بهذا المِثالِ، وعرَّفناكم أمْرَها؛ نُبَيِّنُ ونُوضِّحُ- بمِثلِ ذلك التَّفصيلِ البديعِ- الآياتِ لقومٍ يتفكَّرونَ ويعتبرونَ، فلا يغترُّونَ بالدُّنيا الفانيةِ .
كما قال سُبحانه: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ [الزمر: 21].
وقال عزَّ وجلَّ: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ [الحديد: 20].
مصدر الشرح:https://dorar.net/tafseer/10/100