لا تخرج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها ولو كان لبيت أبويها! فكيف بغيره؟!

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]في قول عائشة رضي الله عنها للنبي ﷺ: “”أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ””(صحيح البخاري 3910، ومسلم 2770). قال النووي: “”فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها””. (شرح صحيح مسلم 17/ 117).[/box]

الشرح والإيضاح

تَحْكي عائِشةُ رضي الله عنها أنَّ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم كانَ إِذا أرادَ سَفَرًا يُجْري قُرْعةً بَينَ أزْواجِه، فَأيَّتهنَّ خَرَجَ سَهمُها صَحِبَها مَعَه، فَخَرَجَ سَهْمُ عائِشةَ رضي الله عنها في غَزْوةِ بَني المُصْطَلِق فَخَرَجَتْ مَعَه إِلَيها حَتَّى إِذا فَرَغَ رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن غَزْوَتِه تِلْكَ وَعادَ، واقْتَرَبْنا مِن المَدينةِ أعلَنَ عَن رَحيلِه، فَقُمتُ لقَضاءِ حاجتي قَبلَ الرَّحيلِ، وَلِمَّا أقْبَلتُ إِلى رَحْلي لَمَسَت صَدري فَإِذا عَقْد لي مِن جَزْعِ أظْفارٍ، وَهوَ الخَرَز اليَمانيُّ، قَد انْقَطَعَ، فَعُدتُ أبحَث عَنه فَتَأخَّرتُ عَن العَودةِ. وَهُنا رَحَل القَومُ دونَ عائِشةَ رضي الله عنها، ظَنًّا مِنْهُم أنَّها مَعَهم وَلَم يُلاحِظوا خِفَّة هَودَجِها؛ لخِفَّةِ الأجْسامِ في ذَلِكَ الوَقتِ. وَما كانَ مِن عائِشةَ رضي الله عنها إِلَّا أنَّها انْتَظَرَت القَومَ يَرجِعونَ إِلَيها عِندَما يَشعُرونَ بِفِقدانِها، فَغَلَبَها النُّعاسُ. وَلمَّا كانَ صَفْوانُ رضي الله عنه يَتَفَقَّد مُخَلَّفاتِ الجَيشِ بَعدَ رَحيلِه حَتَّى يوصِلَها إِلى أصحابِها، وَجدَ عائِشةَ رضي الله عنها نائِمةً، وَكانَ يَعرِفها قَبلَ فَرْضِ الحِجابِ، فاستَرجَعَ، فاستَيقَظَت عائِشةُ رضي الله عنها بِاستِرجاعِه، فَغَطَّت وَجهَها، وَلَم يَتكلَّما بِكلِمةٍ واحِدةٍ حَتَّى رَكِبَتْ الرَّاحِلةَ إِلى أن وَصَلَت إِلى الجَيْشِ. وَهُنا هَلَكَ مَن هَلَكَ مِن أمرِ الإِفْكِ، وَعَلى رَأْسِهم عبدُ اللهِ بنُ أُبَيِّ ابنُ سَلولَ، رَأْسُ المُنافِقينَ، وَمِمَّن خاضوا أيضًا حَسَّانُ بنُ ثابِت، وَمِسْطَحُ بنُ أُثاثةَ، وحَمْنةُ بِنتُ جَحْش.
وَتَحكي عائِشةُ رضي الله عنها أنَّها مَرِضَتْ حينَ قَدَمَت المَدينةَ شَهْرًا، والنَّاسُ يَخوضونَ في قَولِ أصْحابِ الإِفْكِ، وَهيَ لا تَشعُر بِشَيءٍ مِن ذَلِكَ وَما كانَ يُريبُها أنَّها كانَت لا تَرى مِن رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الرِّفقَ الَّذي كانَت تَراه مِنه حينَ تَشتَكي. وَلمَّا أفاقَتْ خَرَجَتْ مَعَ أُمِّ مِسْطَح وَأخْبَرَتْها بِقَولِ أهلِ الإِفْكِ فَزادَ مَرَضُها. فاستَأذَنَت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن تَذهَبَ إِلى أبَوَيها فَأذِنَ لَها. وَتَحْكي عائِشةُ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم استَشارَ عَلِيًّا وَأُسامةَ بنَ زَيْدٍ رضي الله عنهم في فِراقِها؛ فَأمَّا أُسامةُ رضي الله عنه فَأشارَ بِالَّذي يَعلَم مِن بَراءةِ أهلِه، وَأمَّا عَليٌّ رضي الله عنه فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، لَم يُضَيِّق الله عَلَيك والنِّساء سِواها كَثير، وَسَلِ الجاريةَ بَريرةَ تَصْدُقْك، فَدَعا رَسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بَريرةَ، فَقالَت: والَّذي بَعَثَك بِالحَقِّ، ما رَأيتُ عَلَيْها أمرًا قَطُّ أعيبُه عَلَيها غَيرَ أنَّها جاريةٌ حَديثةُ السِّنِّ تَنامُ عَن عَجينِ أهلِها فَتَأْتي “الدَّاجِنُ”، وَهوَ كُلُّ ما يَأْلَفُ البُيوتَ شاة أو غَيرها فَتَأكُله. ثُمَّ قامَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عَلى المِنبَرِ يَستَعذِر مِمَّن آذاه في أهلِه، فَقامَ سَعدُ بن مُعاذ رضي الله عنه، وَقالَ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنا أَعْذِرك مِنه إِن كانَ مِن الأوْسِ أو مِن الخَزْرَجِ، وَرَدَّ عَلَيه سَعْدُ بنُ عُبادةَ أنَّه لا يَستطيعُ فِعلَ شَيْءٍ إِن كانَ مِن الخَزْرَجِ، وَعَلا الصَّوْتُ بَينَ القَوْمِ، فَلَم يَزَل رَسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُخَفِّضهم حَتَّى سَكَتوا وَسَكَتَ عَلَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وَتَحكي عائِشةُ رضي الله عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاءَها عِندَ أبَوَيْها وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لا يَأْتيه الوَحْيُ، فَأُوحِيَ إِلَيه بِقُرآنٍ يُتْلى بِبَراءتِها مِن فَوقِ سَبعِ سَمَواتٍ، وَلَم تَكُن تَتَمَنَّى سِوى أن يَرى فيها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رُؤْيا تُبَرِّئُها مِن قِصَّةِ الإِفْكِ، وَتابَ إِلى الله مَن كانَ تَكلَّم فيها مِن المُؤمِنينَ، وَأُقيمَ الحَدُّ عَلى مَن أُقيمَ عَلَيْهِ.
وَتُكمِل عائِشةُ رضي الله عنها أنَّ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم سَألَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أُمَّ المُؤمِنينَ رضي الله عنها عَن أمْري، فَقالَت: يا رَسولَ اللهِ، أَحْمي سَمْعي عَن أن أقولَ سَمِعتُ وَلَم أسْمَع وَبَصَري مِن أن أقولَ نَظَرتُ وَلَم أنظُرْ، والله ما عَلِمتُ عَلَيْها إِلَّا خَيْرًا. قالَتْ عائِشةُ رضي الله عنها: وَهيَ، أي: زَيْنَبُ رضي الله عنها الَّتي كانَت “تُساميني”، أي: تُضاهيني وَتُفاخِرني بِجَمالِها وَمَكانتِها عِندَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مِن أزْواجِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَعَصَمَها اللهُ، أي: حَفِظَها بِالوَرَعِ، “وَطَفِقَتْ”، أي: وَجَعَلَتْ أُخْتها حَمْنةُ تُحارِب لأجلِها فَتَذكُرُ ما يَقولُ أهْلُ الإِفْكِ فَهَلَكَت فيمَن هَلَكَ.
وَتَحلِف عائِشةُ رضي الله عنها بِالهِن أنَّ الرَّجُلَ، أي: صَفْوانَ بنَ المُعَطَّلِ الَّذي قيلَ لَه ما قيلَ مِن الإِفْكِ ليَقول: سُبحانَ اللهِ، فَوالَّذي نَفْسي بيَدِه ما كَشَفتُ مِن كَنَفِ أُنْثى قَطُّ، أي: سِتْرَها، وَهوَ كِنايةٌ عَن عَدَمِ الجِماعِ، وَقَد رُوِيَ أنَّه كانَ حَصورًا وَأنَّ معه مِثلَ الهُدْبةِ. ثُمَّ قُتِلَ، أي: صَفْوانُ، بَعدَ ذَلِكَ في سَبيلِ الله شَهيدًا.
“الرَّهْط”: الجَماعةُ ما دونُ العَشَرةِ. “الهَوْدَج”: مَحمِلٌ يوضَع عَلى ظَهرِ جَمَلٍ لَه قُبَّة تَركَب فيه النِّساءُ.
“لَم يَهبُلْنَ وَلَم يَغشَهُنَّ اللَّحْمُ”، أي: كُنَّ خِفافَ الأجْسامِ، لَم يُثقِلْهنَّ الشَّحْمُ الكَثيرُ وَإِنَّما يَأْكُلْنَ “العَلَقةَ” مِن الطَّعامِ، وَهوَ القَليلُ مِن الطَّعامِ.
“فَتَيَمَّمتُ مَنزِلي”، أي: فَقَصَدتُ المَكانَ الَّذي فيه هَوْدَجي.
“مُوغِرينَ”، أي: داخِلينَ في الوَغْرةِ، وَهيَ شِدَّةُ الحَرِّ.
“في نَحرِ الظَّهيرةِ”، أي: حينَ بَلَغَت الشَّمس مُنتَهاها مِن الِارْتِفاعِ كَأنَّها وَصَلَتْ إِلى النَّحرِ، وَهوَ أعْلى المَصْدَر. “يَسْتَوْشيه” يَستَخرِجه بِالبَحثِ عَنه حَتَّى يُفشيَه.
“عُصْبة” عَشَرة أو ما فَوقَها إِلى الأربَعينَ. “العِرْض”: مَوضِع المَدحِ والذَّمِّ مِن الإِنْسانِ سَواء كانَ في نَفسِه أو سَلَفِه أو مَن يُنْسَبُ إِلَيْهِ. “الوِقاء”: الوِقايةُ مِن الشُّرورِ. “المَناصِع” مَوضِع خارِج المَدينةِ. “مُتَبَرَّزنا”، أي: مَوْضِع قَضاء حاجتِنا. “الكُنُف”: الأمكِنةُ المُتَّخذةُ لقَضاءِ الحاجةِ. “تَعِسَ”: هَلَكَ. “وَضيئة”، أي: حَسَنةٌ جَميلةٌ. “مِن البُرَحاءِ” مِن الشِّدَّةِ مِن ثِقَل الوَحيِ. “يَتَحَدَّر”: يَنصَبُّ مِنه العَرَقُ.
في الحَديثِ: القُرْعةُ بَينَ النِّساءِ في السَّفرِ.
وَفيه: بَيانٌ فَضلِ عائِشةَ رضي الله عنها، وَتَبْرِئتُها القاطِعةُ مِن التُّهمةِ الباطِلةِ الَّتي نُسِبَت إِلَيْها بِوَحْيٍ صَريحٍ وَقُرآنٍ يُتْلى.
وَفيه: الاستِرجاعُ عِندَ المَصائِبِ سَواء كانَت في الدِّينِ أو في الدُّنيا، وَسَواء كانَت في نَفْسِه أو مَن يَعِزُّ عَليه.
وَفيه: مُلاطَفةُ الرَّجُلِ زَوجتَه، وأن يُحسِنَ مُعاشَرتَها.
وَفيه: السُّؤالُ عَن المَريضِ.
وَفيه: فَضيلةُ أهْلِ بَدْرٍ، والذَّبُّ عَنهم.
وَفيه: مُشاوَرةُ الرَّجُلِ بِطانتَه وَأهلَه وَأصدِقاءَه فيما يَنويه مِن الأُمورِ.
وَفيه: خطبةُ الإِمامِ النَّاسَ عِندَ نُزولِ أمرٍ بِهم.
وَفيه: بَيانُ فَضلِ صَفْوانَ بنِ المُعَطَّلِ.
وَفيه: المُبادَرةُ إِلى قَطْع الفِتَنِ والخُصوماتِ والمُنازَعاتِ.
وَفيه: قَبولُ التَّوبةِ، والحَثُّ عَلَيْها.
وَفيه: المُبادَرةُ بِتَبشيرِ مَن تَجَدَّدَت لَه نِعمةٌ ظاهِرةٌ أو انْدَفَعَت عنه بَليَّةٌ بارِزةٌ.
وَفيه: العَفوُ والصَّفحُ عَن المُسيءِ.
وَفيه: الصَّدَقةُ، والإِنْفاقُ في سَبيلِ الخَيراتِ.
وَفيه: بَيانُ فَضيلةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْش أُمِّ المُؤمِنينَ رضي الله عنها
مصدر الشرح:
https://dorar.net/hadith/sharh/7615