الله يدعو إلى الجنة، فمنا من يحسن ومنا من يكسب السيئات

[box type=”shadow” align=”” class=”” width=””]قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [سورة يونس: 25- 30].[/box]

الشرح و الإيضاح

وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ.
أي: واللهُ يدعو عِبادَه إلى دُخولِ جَنَّتِه السَّالِمةِ مِن جميعِ الآفاتِ، فاطلُبوها بِطاعَتِه، ولا تطلُبوا الدُّنيا وزينَتَها؛ فإنَّها مليئةٌ بالآفاتِ والنَّكَباتِ، ومصيرُها إلى زوالٍ وفَناءٍ .
عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ الله عنهما، قال: ((جاءتْ ملائكةٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو نائِمٌ، فقال بعضُهم: إنَّه نائمٌ، وقال بعضُهم: إنَّ العَينَ نائِمةٌ، والقلبَ يَقظانُ، فقالوا: إنَّ لِصاحِبِكم هذا مَثلًا، فاضرِبوا له مَثلًا، فقال بعضُهم: إنَّه نائِمٌ، وقال بعضُهم: إنَّ العَينَ نائمةٌ، والقَلبَ يَقظانُ، فقالوا: مَثَلُه كمَثَلِ رَجُلٍ بنى دارًا، وجعل فيها مأدُبةً ، وبعثَ داعيًا، فمن أجابَ الدَّاعيَ دخل الدَّارَ، وأكلَ مِن المَأدُبةِ، ومَن لم يُجِبِ الدَّاعيَ لم يدخُلِ الدَّارَ، ولم يأكلْ من المأدُبة، فقالوا: أوِّلُوها له يَفْقَهْها، فقال بعضُهم: إنَّه نائمٌ، وقال بعضُهم: إنَّ العَينَ نائمةٌ، والقَلبَ يَقظانُ، فقالوا: فالدَّارُ الجنَّةُ، والدَّاعي مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فمن أطاع محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقد أطاعَ الله، ومَن عصى محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقد عصى اللهَ، ومُحمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلَّم فَرْقٌ بين النَّاسِ)) .
وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ.
أي: واللهُ يُرشِدُ ويوفِّقُ مَن يَشاءُ مِن عِبادِه إلى الإسلامِ، وهو الطَّريقُ المُستَقيمُ المُوصِلُ مَن سلَكَه إلى الجنَّةِ.

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ.
أي: للَّذين أحسَنوا في الدُّنيا بالإيمانِ، وأحسَنوا في طاعةِ الرَّحمنِ؛ امتثالًا لأمرِه، واجتنابًا لِنَهيِه، على وَجهِ المُراقَبةِ له سُبحانه، وأحسَنوا إلى عبادِ اللهِ تعالى؛ هؤلاء لهم الجنَّةُ، ولهم زيادةٌ على ذلك، وأعظمُ أنواعِها النَّظَرُ إلى وجهِ الله عزَّ وجلَّ.
كما قال تعالى: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن: 60].
وقال سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22، 23].
وعن صُهَيبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا دخَلَ أهلُ الجنَّةِ الجنَّةَ، يَقولُ اللهُ تبارك وتعالى: تُريدونَ شَيئًا أزيدُكم؟ فيقولون: ألم تُبَيِّضْ وُجوهَنا؟! ألم تُدخِلْنا الجنَّةَ، وتُنْجِنا من النَّارِ؟! قال: فيَكشِفُ الحِجابَ، فما أُعطُوا شَيئًا أحَبَّ إليهم مِن النَّظَرِ إلى رَبِّهم عزَّ وجَلَّ، ثمَّ تلا هذه الآيةَ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)) .
وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ.
أي: ولا يَغشى وجوهَ أهلِ الجنَّة غُبارٌ ولا كآبةٌ، ولا هوانٌ أو صَغَارٌ (10) .
كما قال تعالى: فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان: 11].
وقال سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس: 38-39].
وقال عزَّ وجلَّ: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين: 24].
أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
أي: أولئك- الذين أحسَنوا- أهلُ الجنَّةِ، هم فيها ماكِثونَ أبدًا .
وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27).
أي: والَّذين عمِلوا السيِّئاتِ (14) في الدُّنيا، فعَصَوا وكفَروا بالله ورسولِه، فلهم جزاءٌ يسوؤُهم بحسبِ ما عمِلوا مِن السيئاتِ، دونَ زيادةٍ على ما يستحقُّونَ .
كما قال تعالى: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الأنعام: 160].
وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ.
أي: ويَغشاهم هوانٌ وخِزيٌ .
كما قال تعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى: 45].
وقال سبحانه: وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ [إبراهيم: 42، 43].
مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ.
أي: ما لهم مِن اللهِ مِن مانعٍ يمنَعُ عنهم سَخَطَه وعذابَه .
كما قال تعالى: لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ [الرعد: 34].
وقال سُبحانه: يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ [غافر: 33].
كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا.
أي: كأنَّما أُلبِسَت وجوهُهُم- مِن شِدَّةِ سَوادِها- أَجزاءً مِن اللَّيلِ في حالِ ظُلمَتِه.
كما قال تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر: 60].
وقال سبحانه: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران: 106].
أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.
أي: أولئك- الموصوفونَ بهذه الصفاتِ الذميمةِ- أهلُ النَّارِ، هم فيها ماكِثونَ أبدًا.
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28).
أي: واذكُرْ- يا مُحَمَّدُ- يومَ نَجمَعُ جَميعَ الخَلقِ لِمَوقِفِ الحسابِ يومَ القيامةِ؛ الإنسَ والجِنَّ، والمُؤمِنينَ والكافرينَ، والعابدينَ والمَعبودينَ.
كما قال تعالى: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف: 47].
ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ.
أي: ثمَّ نقولُ للمُشرِكينَ: الزَموا مكانَكم، وقِفوا في مَوضعِكم، أنتم والذين زَعَمتُم أنَّهم شركاءُ لله في عبادتِه .
كما قال تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [الأنعام: 22].
فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ.
أي: ففَرَّقْنا بين المُشرِكينَ العابدينَ، ومَعبُوديهم مِن دونِ اللهِ .
كما قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: 166- 167].
وقال سُبحانه: وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا [الكهف: 52].
وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ.
أي: وقال المعبودونَ للمُشرِكينَ الذين عَبَدوهم: ما كُنتُم تعبدونَنا في الحقيقةِ، بل كُنتم تعبدونَ أهواءَكم وشَياطينَكم الذين أمَروكم بعبادَتِنا .
كما قال تعالى: وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ [النحل: 86].
وقال سُبحانه: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا * فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ [الفرقان: 17-19].
وقال عزَّ وجلَّ: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ [الروم: 12-13].
وقال جلَّ جلاله: وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ [سبأ: 40-41].
فَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ.
أي: قال المَعبودونَ للذين عَبَدوهم: فحَسْبُنا اللهُ شاهدًا بيننا وبينكم، أيُّها المُشرِكونَ؛ فإنَّه قد عَلِمَ أنَّكم عَبَدتُمونا من غيرِ أن نأمُرَكم، ومِن دونِ أن نَشعُرَ بعِبادتِكم لنا.
كما قال تعالى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 14].
وقال سُبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 5-6].
هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (30).
هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ.
أي: في ذلك المَقامِ في أرضِ المَحشَرِ يومَ القيامةِ تَعلَمُ كلُّ نفسٍ ما قدَّمَت مِن خَيرٍ أو شَرٍّ، وتَجِدُه مكتوبًا لِتُحاسَبَ عليه .
كما قال تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا [آل عمران: 30].
وقال سُبحانه: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء: 13- 14].
وقال عزَّ وجلَّ: وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49].
وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ.
أي: ورُجِعَ هؤلاء المُشرِكونَ إلى اللهِ الذي هو ربُّهم ومالِكُهم، والمتولِّي أمرَهم، الحَقُّ لا شكَّ فيه، دُونَ مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ مِن آلهةٍ.
كما قال تعالى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام: 62].
وقال عزَّ وجلَّ: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [الحج: 62].
وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ.
أي: وزال عن المُشرِكينَ وبطَلَ ما كانوا يختَلِقونَه مِن الكَذِبِ على اللهِ، بدعواهم أنَّ له شُرَكاءَ يَنفَعونَ مَن عَبَدَهم، ويَدفَعونَ عنه الضُّرَّ، ويُقَرِّبونَه إلى اللهِ.
كما قال تعالى: وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ * وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [النحل: 86-87].
وقال سبحانه: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [القصص: 74-75].
مصدر الشرح:
https://dorar.net/tafseer/10/12